صفحات الناس

من الحاجز إلى الموت… شهادات مجنّدين سوريين/ مـالـك أبـو خـيـر

شهادات مجنّدين في النظام السوري

دمشق – طُلب إليه إبراز هويّته الشخصية على أحد حواجز مدينة دمشق. نظر إليها العنصر الأمني وأمرَه بالترجّل من السيارة والوقوف جانباً، ثم سأله “هل خدمت في التجنيد الإجباري؟”، كان جوابه أنّه قدّم طلباً بالتأجيل لشعبة التجنيد الخاصة به.. لكنّ النتيجة كانت بإرساله من الحاجز مباشرة إلى سجن القابون العسكري ومنه لشعبة تجنيده، ثم إلحاقه بإحدى القطعات العسكرية.

ياسر في الـ 20 من العمر، تحدّث عن رحلة الموت – كما يسميها – التي كادت تودي بحياته، لولا لطفُ الله به. “تم إرسالي إلى إحدى القطعات المقاتلة في مدينة دمشق، وتم تدريبي لمدة خمسة عشر يوماً فقط على استخدام السلاح، ثم تمّ نقلي ونحو عشرين شاباً الى حلب للقتال في إحدى المناطق التي كانت تدور فيها مواجهات مع قوات الجيش الحر”.

ويتابع ياسر: “بعد شهر واحد فقط من وصولي سقط الموقع الذي وُضعنا فيه، وبدأت قصة أخرى إسمها الأَسْرُ والتحقيق من قبل الجيش الحر، الذين لم يطلقوا سراحنا حتى تم التأكد أننا لم نشارك في المعارك ضدهم، في حين تم إعدام آخرين لمجرد الشكّ بذلك، رغم أنهم كانوا معنا في الخطوط الخلفية، ومنهم من تمّت تصفيته لانتمائه الطائفي”.

لعلّ الحواجز المنتشرة على طول مدينة دمشق، وباقي المحافظات السورية، كانت وما زالت البداية لقصص كثيرين من الشبان السوريين الذين يتم سوقهم إلى خدمة العلم بشكل إجباري، رغم محاولتهم الهرب وعدم المشاركة في إي نزاع عسكري واعتمادهم مبدأ الحياد.

غالبية من يتم سوقهم بين الـ20 والـ25 من العمر. ويتم أخذهم إلى المعارك من دون خبرة قتالية، وطبعاً تحت إشراف أمني لمنعهم من الانشقاق حتى أثناء المعارك. وعند وقوعهم في قبضة الجيش الحر تبدأ حكاية أخرى قد تنتهي بالموت. هذه هي حكاية مَن يتم سوقه رغماً عنه من شباب سوريا ويُجبر على المشاركة في المعارك،لا أولئك الذين يذهبون طواعية ويشاركون عن عمد في قتل السوريين.

ماهر من مدينة درعا، ولعلّ مدينته هي من أنقذته من إعدام ميداني كباقي زملائه. “اعتقلني النظام في أحد الفروع الأمنية، وبعد انتهاء التحقيق معي تم إرسالي فوراً إلى إحدى القطعات العسكرية، لكوني متخلّفاً عن خدمة العلم. ولأنني ملحق بالخدمة بعد اعتقالي في فرع أمني، كانت المراقبة حولي عالية جداً، فلا إجازات ولا حتى مغادرات، ومُنِع عليّ حتى التجول خارج نطاق القطعة التي أخدم بها، ثم تم تحويلي إلى حمص للقتال في باب عمرو قبل دخول جيش النظام إليها”.

ويضيف ماهر: “في حمص حاولت الهرب مرات عدّة، لكنها باءت بالفشل، إلى أن وقعت مع عدد من زملائي في كمين، فتمّ أسرنا وكنا ثمانية أشخاص، وبعد التحقيق معنا أُعدم الجميع باستثنائي، وذلك بعد الاتصال من قبل عناصر الجيش الحر بأصدقاء لهم في درعا للتأكد من روايتي التي ذكرتها، والأهمّ أنني من درعا، ولا أنكر أن من بين زملائي من كان مثلي يحاول الهرب ولم يشارك بالقتال، لكن الإعدام كان مصيره لعدم اقتناع عناصر الجيش الحر بحقيقة أنهم لم يشاركوا بالقتل”.

لعلّ في الحرب الدائرة في سوريا، كثيراً من الحقائق التي تذهب بين نيران الصراع، واحدة منها قصص هؤلاء الشبان الذين يتم سوقهم الى الخدمة مرغمين، ثم يُقتلون إما في المعارك أو بعد أسرهم، ومنهم من يتم تصويره على أنّه من “الشبّيحة المرتزقة”، ويُرموا بالرصاص ولا يُسمح حتى بالدفاع عنهم، وتذهب حقيقة موتهم ظلماً عبر تكبيرات وفيديوات تهلّل لقتلهم على صفحات “فايسبوك” و”يوتويب”.

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى