من الصعب اعتراض التدويل بتعريب الحلول
سليمان تقي الدين
الانتفاضات العربية المطالبة بالتغيير والإصلاح لم تأت فجأة وبلا مقدمات . منذ زمن طويل يعيش العالم العربي في بحر من الأزمات الاجتماعية والسياسية، لم يشهد العالم العربي أي إصلاح في أنظمته السياسية بل انغلق على المشكلات وغرق في حمىّ الصراعات الإقليمية والدولية تاركاً شؤونه الداخلية في حال من الركود .
انفجرت الأزمة في معظم البلاد العربية بتحريض من الأوضاع الاجتماعية المزرية الضاغطة، وبتعاظم الفجوة بين الأجيال الشابة المنفتحة على ثقافة العصر واستمرار القيادات السياسية في إدارة الظهر لهذه الهموم والتطلعات .
على الصعيد الإقليمي تفككت الجامعة العربية وفقدت أي دور لها في تنسيق السياسات العربية حتى تجاه أخطار أمنية مباشرة طالت الوجود العربي . جرى تعليق كل الأفكار المطروحة لتطوير نظام الجامعة حتى في مجال التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي . بلورت الجامعة مشروعاً لميثاق حقوق الإنسان العربي وشرعة للإصلاح، لكن أحداً من أعضاء الجامعة لم يعمل على تفعيل هذه المشروعات أو يدعو إلى حوار حقيقي حولها .
جاءت الأزمة المالية العالمية وظهر دور الثروة النفطية العربية وفوائضها النقدية كعنصر مهم في الإطار الدولي وتمثّل العرب في هيئات دولية جديدة كشركاء عن المصير الاقتصادي العالمي . لم يستثمر العرب هذه البادرة ولم يأخذوا على محمل الجد المتغيرات الدولية خاصة على الصعيد الاقتصادي . لم يعدّلوا وجهة استثماراتهم، ولم يبحثوا عن سبل تقوية قدراتهم المادية، ولم يسعوا إلى البحث عن شركاء جدد، ولم يفعلّوا هذا الدور في تعزيز موقعهم السياسي . لقد انقلبت موازين القوى الاقتصادية على نحو كبير منذ الحرب العالمية الثانية، وانتقلت مراكز الثقل الإنتاجي إلى دول آسيوية مهمة، وما يزال العرب يتبعون الأسلوب التقليدي نفسه في ربط مصائرهم بالغرب . لم تتوطد العلاقات العربية الروسية بعد سقوط العامل الايديولوجي وحتى العامل الاستقطابي لروسيا، ولا مع الصين والهند والبرازيل وفنزويلا بوصفها الدول الناهضة من دون أن تكون لديها مطامع استعمارية . أما الفراغ الكبير فكان في السياسات العربية الإفريقية حيث تحتل القارة السمراء الموقع الاستراتيجي بالنسبة الى الطاقات غير المستغلة حتى الآن والثروات الطبيعية الهائلة .
عندما بدأت الانتفاضات العربية لم يستدرك العرب احتمالات اندلاع العنف ونشر الفوضى في العديد من البلدان وما قد يعنيه ذلك من اتساع رقعة التدخل الأجنبي . ليس هناك في الواقع إمكانات عربية أصلاً للتدخل في هذه أو تلك من البلدان عسكرياً ولا حتى بمبادرات سياسية بعد أن صارت العلاقات العربية – العربية واهية جداً بل متوترة بين بعض أطرافها .
من الصعب أن نطلب من النظام العربي ما ليس لديه من إمكانات، لكن لم يؤدِ الخطر الداهم على واقع بعض المجتمعات الى الصحوة تجاه حالات النزاعات الأهلية . فقد سبق أن استسلم العرب للمسار العراقي وللمسار السوداني وها هم في حال من الرضوخ لانفلات الأزمات في ليبيا واليمن وسوريا وقبل ذلك لبنان .
إذا كان هذا التشخيص صحيحاً فهو يضعف الرهان على إمكانية مساهمة المبادرة العربية في معالجة الأزمة السورية التي تجاوزت شهرها الثامن على مشهد دموي يومي رهيب . فليس هناك من أمل بأن يحل العرب محل القوى الدولية التي دخلت المسرح منذ اللحظة الأولى ورسمت الأهداف الأساسية لها . هناك كتلتان عربيتان في حال من شبه الاستقرار الذي يسمح لهما بالتحرك، وهما منظومة الخليج العربي ومصر . لكن دول الخليج على أهمية دورها هي صاحبة موقف مسبق من التجاذبات الإقليمية، ومصر لم تبلور بعد سلطتها الجديدة وسياستها الخارجية . في مجمل المشهد ليس من إمكان في الوقت الراهن لتعريب الحلول بدلاً من التدويل وتبعاته الباهظة على العالم العربي .
الخليج