صفحات العالم

من القذافي الى الأسد.. الشعوب ابقى من حكامها


اسامة عبدالرحيم البشيري

هكذا قالت العرب قديما ولعمري انها حكمة بالغة الاثر يجب ان يقرأها ويفهمها كل حاكم عربي، فلاحصانة لأحد اليوم والشعوب ابقى من حكامها، وماحدث لزين العابدين وحسني مبارك والنهاية الدامية لطاغية العصر معمر القذافي التي كان يستحقها بعدما فعله بشعبه وتمسكه بالكرسي وتحديه السافر لشعبه.

ويبدو ان القذافي لم يقرأ تلك الحكمة وعاند وصرخ وتوعد وطالب بزحف الملايين وجند الجنود والمرتزقة والاعلام، وصرف الأموال الطائلة ووزع السلاح واثار الفتن والفوضى في كل ربوع ليبيا، ولم يكن يدري ان مكر الله اقوى من مكره.

وهاهو الدكتور بشار الأسد يسير على خطى القذافي، ولم يفهم قواعد اللعبة بعد ولم يستوعب الدرس بعد ولازال يقتل شعبه منذ تسعة اشهر، ويصفه بالعصابات المسلحة والارهابيين ولم يسلم من بطشه حتى الاطفال والنساء، وحشد الجيوش والرجال والشبيحة والاعلام وماطل سياسيا ودبلوماسيا، وقال بهدوء الواثق من نفسه ان بقاء سلطانه وملكه يعني استقرار سورية والمنطقة بأكملها، والا فالويل والثبور وهدد بزلزال سيطال الجميع وان سورية بدونه لن تقوم لها قائمة وأصبح يردد نفس كلام القذافي المأفون.

واثار فزاعة الحرب الاهلية والطائفية وانه لامستقبل لسورية من غيره وانه يمثل الشرعية والثورية وحتى الرجولة والفحولة، وكأن الشعب السوري عقيم لايفكر ولا يوجد به رجال وكفاءات ونسي ان وجوده في الحكم غيرشرعي، فعندما توفي والده الدكتاتور الذي ولغ في دماء السورييين حتى الثمالة، وتم بعدها تنصيبه رئيسا لسورية، وصار الحاكم بأمره ولم نسمع في علم القانون او السياسة او العرف بأن الأبن يصبح رئيسا بعد ابيه في نظام جمهوري وليس ملكيا ونعلم ان الأبن يرث ابيه، في ماله وممتلكاته وديونه، لا في دولة وشعب وامة وموارد وتاريخ وجغرافيا، وكأنها مزرعة او شركة تورث للأبناء، ولا قيمة لرأي ومشاعر وكرامة شعب بأكمله.

وعندما انتفض الشعب السوري في سياق ربيع عربي جاء عفويا ومفاجئا ومتسلسلا ومتنقلا من غرب الوطن العربي إلى شرقه، دون مؤامرة كما يدعى دكتور العيون وإعلامه وأتباعه، وكما ادعى القذافي فى لحظة يأس من قبل، وما حدث لادخل لأحد به لامن الغرب او الشرق او الشمال، وانما هوارادة شعب أراد ان يسترد كرامته وعزته وان يستعيد بلادا احتكرها آل الأسد وأصبحوا يورثونها كيفما أرادوا.

هذه هي الحقيقة ياسيادة الرئيس، شعبك يبحث عن امل وكرامة وحرية وانت تبحث عن زعامة وسلطة ومجد زائف، شعبك مل من الفساد والقهر والذل، وانت لم تمل من قهر شعبك واذلاله وقتله وتدمير مدنه ومحاصرتها، ولازلت تكرر انها مؤامرة، فهل يعقل ان يكون شعبا بأكمله متآمرا عليك وموجها من جهات خارجية، وفي هذا الكلام تجنيا على وعي وعقل وثقافة شعب عريق كالشعب السوري.

اقولها لك بكل صراحة ارحل واترك السلطة، ودع شعبك يقرر مصيره وانا مجرب وخبير، وكنت على يقين بان القذافي، معذبي وقاهري، ودكتاتور عصره والمجنون بنفسه قد انتهى من اول يوم انتفض فيه الشعب الليبي، وان عليه ان يرحل لو كان عاقلا ولكنه ابى واعتقد انه لا يقهر، فوقع في شر اعماله واستدرجه الله من حيث لايعلم.

اقولها لك بكل بساطة قد لاتفهمها ولن تستوعبها وستشعر انها ظلم لك، وانتقاص من قدرك واهانة لسموك، قدم استقالتك الى الشعب السوري واطلب منه السماح وغادر البلاد واتركها لمن قهرت من العباد، والا سيكون مصيرك كمصير القذافي والعلم عند الله ولكن الله لا يرضى بالظلم وهو شديد العقاب، ويمهل ولا يهمل.

دع الشعب السوري يقرر مصيره ويختار حاكمه، ولاتقلق فلن تكون هناك فوضى ولاحرب أهلية ولامؤامرات خارجية، بل ستكون سورية ديمقراطية حرة يعيش فيها السوريون بحرية وعزة وكرامة.

ويمكنك ان تختار المنفى الذي تريده، وهناك دول كثيرة ستستقبلك وأرح نفسك وانج بجلدك واجلس وراقب وطنك الذي دمرته، كيف يعاد بناؤه.

ودعك من اوهام القوة وشعارات حزب البعث البالية، ودعك من التظاهر بانك آخر القوميين العرب وان نظامك نظام ممانعة، واستغرب من نظام يصف نفسه بالبطولة والنضال ولم يطلق رصاصة واحدة باتجاه الجولان المحتل منذ عقود وانما وجه رصاصه وقذائفه ضد شعبه، ودعك من القول بانها مؤامرة لتركيع سورية فهذا كلام لم يعد يجدي نفعا وقاله القذافي من قبلك، وفكر جيدا وحكم عقلك، ولا تحاول جربلادك الى الدمار والخراب.

واخيرا اقول لك، اخرج قبل فوات الاوان وقبل غرق السفينة، فلن يتراجع شعبك الذي ضحى بالآلاف، وسيزداد الضغط عليك عربيا ودوليا، ولن يتركوك تقتل شعبا بأكمله حتى لو كانت نواياهم غير سليمة.

نصيحة اليك من مواطن مسلم عربي ليبي، لامال ولا سلطان عنده، وإنما إيمان بالله وعدله وإحساس بمعاناة شعب جربت نفس معاناته وتجرعت من نفس الكأس الذي يشرب منه الآن، وجل ما املكه قلم اكتب به، واني لك من الناصحين، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى بها، واتعظ بغيرك كي تنجو بنفسك ياسيادة الرئيس.

‘ مستشار وباحث قانوني ليبي

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى