من انقذ من: الجامعة ام النظام السوري؟
رأي القدس
توقيع السيد فيصل مقداد نائب وزير الخارجية السوري على ‘بروتوكول’ المراقبين العرب الذي اعده وزراء الخارجية العرب، انقذ الجامعة العربية مثلما انقذ النظام السوري في الوقت نفسه، وشكل صدمة للمعارضة السورية التي كانت، وما زالت، تراهن كثيرا على الموقف العربي لمساندة جهودها، السلمية منها والعسكرية، لفرض التغيير الديمقراطي المأمول.
المنتفضون السوريون الذين واجهوا رصاص الجيش والامن بصدورهم، كانوا محقين عندما رفعوا لافتات تتهم الجامعة العربية بالمشاركة في قتلهم، من خلال المبادرات التي يقدمونها من حين الى آخر، ويمددون سقفها، مما يعطي النظام فسحة من الوقت لترتيب اوراقه، وفرض شروطه، مثلما حدث مع البروتوكول الاخير.
وزراء الخارجية العرب صعدوا على شجرة عالية جدا من خلال اجتماعاتهم المتلاحقة حول الملف السوري، وخطواتهم المتلاحقة لعزلته، مثل تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية، وفرض عقوبات اقتصادية ومالية، كتجميد التعاطي مع البنك المركزي السوري والمصارف التجارية الاخرى، وعندما ادركوا ان تأثير هذه العقوبات محدود، وتصيب الشعب السوري اكثر مما تلحق ضررا بالنظام، قرروا ان يبحثوا عن ‘سلّم’ ينزلهم من فوق هذه الشجرة، فجاءت الوساطة العراقية طوق الانقاذ. فمتى كان النظام العراقي وسيطا موثوقا لدى الجامعة؟
التهديد بوقف رحلات الطيران المدني لم يترجم على الارض، والعقوبات الاقتصادية ظلت حبرا على ورق، حيث لم يلتزم بها جيران سورية، مثل الاردن الذي سيتضرر بصورة اكبر، والعراق الذي عارضها من الاساس، اما تركيا فوجدت ان طابور شاحناتها المحملة ببضائعها اطول من صبر ايوب، فقررت التزام الصمت، وتوقفت عن حماسها التقليدي في الحملة ضد النظام السوري، ولم نعد نشاهد الدكتور احمد داوود اوغلو مشاركا متحمسا في اجتماعات اللجنة العربية بشأن سورية.
حتى تهديد الجامعة العربية باللجوء الى مجلس الامن الدولي في حال رفض النظام التوقيع على بروتوكول المراقبين، وتدويل الازمة السورية بالتالي، تهديد محفوف بالشكوك، لسبب بسيط وهو ان كلا من بريطانيا وفرنسا اقدمتا على هذه الخطوة قبل شهرين، وتقدمتا بمشروع قرار لفرض عقوبات اقتصادية اشد على سورية، فماذا حدث؟ جاء ‘الفيتو’ الروسي ـ الصيني المشترك لاحباط هذا التوجه، ولا نعتقد ان مصير اي توجه عربي الى مجلس الامن سيكون افضل حظا.
امريكا لا تريد اسقاط النظام السوري بالوسائل العسكرية، لان قيادتها لا تستطيع ان تسوق فكرة خوض حرب جديدة وما يترتب عليها من تبعات ومخاطر الى رأي عام مرهق بالازمة الاقتصادية الطاحنة التي جاءت واستفحلت بسبب حروب بوش في العراق وافغانستان، وزادت هذه القناعة ترسخا بعد ان رأت كيف ان الانظمة البديلة لحلفائها في كل من مصر وتونس جاءت بالاخوان والسلفيين الى سدة الحكم، وهؤلاء سيشكلون خطرا على اسرائيل ومعاهدات السلام التي وقعتها في كامب ديفيد ووادي عربة، ومن ثم اتفاقات اوسلو التي نفقت مثلها مثل مبادرة السلام العربية.
النظام السوري كسب الجولة، وسجل هدفا ذكيا في مرمى الجامعة العربية، ووجه ضربة قوية للمعارضة السورية التي بنت عليها آمالا عريضة، بمجرد قبوله ببروتوكول المراقبين هذا، ولو على المدى القصير، فأمام هذا النظام شهرين على الاقل لالتقاط الانفاس، هي المدة الزمنية المحددة لمهمة هؤلاء المراقبين لاعداد تقاريرهم بعد مشاهداتهم على الارض، وتقديمها الى وزراء الخارجية العرب لتقويمها واتخاذ القرارات بشأنها. ويعلم الله ماذا يمكن ان يحدث خلال هذين الشهرين.
في المقابل، لا يجب ان يفرح النظام السوري بهذا ‘الانجاز’، ويستمر في اعمال القتل الدموي بحق المواطنين الابرياء، فقد تكون هذه المبادرة العربية فرصة له للانخراط في حوار حقيقي مع المعارضة والافراج عن المعتقلين فورا، لان سقف المراوغة بات محدودا جدا، وهناك خطر اكبر يهدد النظام، وسورية كلها، وهو خطر الحرب الاهلية، والتمرد العسكري، فعمليات تهريب الاسلحة الى الجماعات المسلحة في الداخل في تصاعد، وتدفق المقاتلين لنصرة هؤلاء من دول الجوار بدأ عمليا، وهناك ادلة قوية تؤكده، مما يوحي، بل يؤكد، اننا امام تجربة مماثلة لتجربة ما كان يسمى بـ’المثلث السني’ في العراق في السنوات التي اعقبت الاحتلال الامريكي.
فترة التقاط الانفاس التي قد يوفرها توقيع بروتوكول المراقبين قد تكون فرصة للنظام السوري لمراجعة كل ممارساته وسياساته السابقة والتخلي عن العناد الذي طبعها، وبما يؤدي الى بلورة سياسات جديدة لتلبية مطالب الشعب المشروعة في التغيير الديمقراطي.
القدس العربي