من حلب الى حلب/ ريتا خان
خناصر قرية منسية – نقطة تقاطع مدينة و جيوش
“لحلب..لحلب” جملة تضحك لسماعها من سائقي الميكرو باصات في ساحة الجامعة وسط مدينة حلب
من حلب الى حلب 400 كم -12 ساعة من السفر
بداية الرحلة مع السائق “أبو عبدو” تفقد سريع للباس الشرعي الذي هو عبارة عن لباس اسود لكل ما يسمى فتاة من رأسها الى اخمص قدميها بكل ما فيها من عورة و فتنة فبعد القليل من الكيلومترات سيرفرف علم أسود على الطرقات معلنا وجود تنظيم القاعدة في المكان
“بنتي لأ بعد إذنك أنتي بتبقي هون” هذا ما قاله لي أبو عبدو و ذلك لاعتباري سافرة وعدم ارتدائي لباسا شرعياً متكاملا و تابع هتافه من أجل الركاب
لحلب لحلب لحلب هذا ما كان يردده أبو عبدو علماً انه أمام أحد أعرق رموز مدينة حلب و هي جامعتها
بدأت الرحلة من ساحة الجامعة بعد التاكد من الهويات ومحاولة السائق تنظيم امور الرحلة و تعليم الركاب كيفية التصرف عند كل حاجز بحسب نوعه
تبدا الحواجز من اكاديمية الاسد الممتدة على نطاق واسع وذات الحراسة المشددة مع علم حزب الله منتصب الى جانب العلم السوري والتي تعتبر من اكثر المباني الامنية تحصينا و اتساعا في حلب
الى مدرسة المدفعية الموجودة على حدود الراموسة والمهجورة الا من بعض العساكر
وحاجز الراموسة المقنوص من قبل عدة جهات وكل جهة تتهم الاخرى بالقنص مع تبادل السيطرة عليه كل فترة لاهميته بكونه المدخل الوحيد لمدينة حلب من خارجها
وصولا لخناصر اكبر الحواجز النظامية واكثرها تدقيقا
يتخللهم براميل منصوب عليها علم الجيش السوري مع صورة الرئيس المفدى حواجز تسمى بالطيارة
كل حاجز العملية ذاتها تفتيش الهويات و تفتيش السيارة و الحقائب مع القاء مزحة او اثنتان او اعتقال شخص كله سيان في هذه الحالة مع اهمية البقاء مبتسم لشعورك بالامان و الطمانينة
يقول ابو عبدو ضاحكا انه لكل حاجز سعره فكل حاجز له اشارة لمعرفة ما المبلغ المطلوب منه اعطاءهم فمع ارتفاع الدولار يزيد و ينقص فتلك الحواجز تتخذ من السيارات المارة مصدرا خارجيا لكسب الاموال
ومع كل حاجز تختلف الوجهة فمرة دير حافر و مرة اخرى مساكن هنانو و ثالثة جسر الحج احياء و قرى مختلفة من حلب
يكمل ابو عبدو انها وسيلة دفاعية لعدم تقفيهم الميكرو حماية للركاب و له
بعد حاجز الراموسة ومع زحمة الشاحنات و السيارات وانتهاء التفتيش الدقيق تبدأ مظاهر الحرب و الدمار بالظهور
اليات عسكرية و باصات محترقة
طرق خالية الا من شاحنات المساعدات لحلب الغربية و باصات الركاب و الجيش السوري
بعد عدة ساعات من السفر على الكرسي الخشبي و دردشات الركاب تصل لحدود السفيرة
تتعرف عليها من اثار الدمار الهائل فحجم الدمار الهائل يصيبك بالصدمة حتى قبب الطين الريفية طالها القصف العشوائي وهدمتها معركة تطهيرها من المسلحين التي كلفتها ليس فقط القصف و التدمير بل كلفها ايضا خسارة كبيرة بارواح المدنيين فدخول النظام لمنطقة يعني ابادتها سواء كانو سكانها مؤييدن او معارضين الذين كان مصيرهم في السفيرة هو الاعدام الميداني و الرمي في ابار المياه الجوفية فالقرية مستوية على الارض الا من بعص الاعمدة المتبقية من المنازل ومهجورة الا من بعض الحيوانات الصحراوية التي اخذت من انقاضها منازل لها..
يستمر الطريق بدهشتك المستمرة من هول المشاهد لترى بعد دقائق اخر معاقل النظام حاجز اثريا-خناصر بضع مدافع ال 23 مصوبة نحو أخرى تتكلم ذات اللغة إلا أنها تخوض معاركها بعلم آخر 500 متر فقط هي ما يفصل آخر معقل لقوات النظام عن أول معاقل قوات المعارضة
مفترق طرق (دمشق-حمص-حماة ….) او الى حلب الشقيقة
يودعك الجيش النظامي كأرهابي قادم من تورا بورا
لتستقبلك داعش كمبشر إيراني جاء ليغتصب حلمهم بدولة إسلامية
ثم طريق صحراوي يمتد إلى ما لا نهاية 200 كم من الرمال القاحلة فلا بشر يسير و لا طير يطير لا شيء سوى ركام آليات و رائحة دم تدلك على مجازر ارتكبت بأسماء عدة على الرغم من كون الطريق عسكري إلا أن أغلب من قتل عليه مدني لتستقبلك صوامع مدينة الباب التي كانت تستخدم لتخزين الحبوب إلا أنها الآن تستخدم لتخزين الجثث فهي كانت آخر معقل لقوات النظام في المدينة قبل تحريرها قبل نحو عامين ثم استخدمت أيضاً لتخزين جثث من حرر المدينة و لكن هذه المرة قتلو على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية التي تبسط سيطرتها على ريف حلب الشرقي وصولاً إلى عاصمتهم الرقة.
ابو احمد مسافر دائم يخبرنا عن ما حدث على هذا الطريق بعد سيطرة داعش عليه ليقول “يجب عليك تغطية وجه الفتاة و إلا لذهبت هي و جميع من يسافر معها إلى الجنة” يقولها مبتسماً و يردف تستري يا بنت مشيراً إلي ليعطيني قميصه الأسود أغطي به وجهي.
ثلاث ساعات بين مدينة الباب و دير حافر حواجز لداعش تستوقفك عند مدخل و مخرج كل مدينة حاجز يتركك لتمر بسلام ليوقفك الحاجز الاخر لعدم فهمك لاشارته بالتوقف فتعاقب بالحجز من باب اخذ العبرة بعدم تكرارك لذلك الفعل المشين وثالث يوقف الميكرو ليفتشه سائلا الركاب من منهم ضابط اسدي متنكر ليرفع يده …
بعد تلك المشاهد التي لا يستطيع عقلك استيعابها تنتهي دولة الخلافة لتصل الى حلب المحررة ..تصل الى مدينة البراميل الممانعة مدينة يقبع تحت انقاضها اناس اكثر من الذين يرفعون الانقاض
مدينة تجابه خطر الانقراض باسم التطهير مما يسمى العصابات الارهابية التكفيرية العميلة لاسرائيل
مرورا بمدرسة المشاة و مشفى الكندي الى معامل حلب والمدينة الصناعية عاصمة الاقتصاد
ذلك الطريق المتغير بين ساعة و الاخرى بحسب الاشتباكات و انتقال السيطرة بين النظام و الحر و داعش فطريق الصناعية الذي كان من اول ما تحرر من احياء حلب حتى الان كان تحت سيطرة لواء التوحيد اصبح حاليا تحت سيطرة القوات النظامية وهذا مثال عن تغير الطريق في كل يوم…
تلك هي حلب حرق -هدم-تفجير
تعددت الاسباب و النتيجة واحدة دمار و خراب بكل شيء
تستوقفك رؤية مدرسة المشاة وعندها تستدرك ان مسافة 1كم متنازع عليها كلفتك 400كم من السفر
مسافة تحولك بين ثلاث جهات متطرفة عن بعضها كل منهم يعيد ترتيبك على الطريقة اتي توافق عقليته
مسافة تخولك بالسفر من الولايات المتحدة الامريكية الى روسيا الاشتراكية قطبي العالم الحديث الان اصبحت تخولك السفر من قطبي حلب الغربية و الشرقية بتشديد امني اكبر و وقت اطول..
من حلب الى حلب رحلة انفصامية يعيشها الفرد السوري مشتتا بين ما كان و ما يحصل … بين الماضي و الحاضر …