من رأس العين إلى عفرين
خورشيد دلي
ما أن تهدأ المواجهات بين كتائب الجيش الحر وجبهة النصرة من جهة وقوات الحماية الشعبية الكردية من جهة ثانية في منطقة ما حتى تندلع في منطقة أخرى، إلى درجة ان استمرار هذه المواجهات على الرغم من كل الجهود التي بذلت للحد منها، بدأت تثير أسئلة كثيرة في الوسط الكردي، لاسيما ان الطرف المهاجم دوما هو كتائب الجيش الحر وجبهة النصرة، ولعل في مقدمة هذه الأسئلة : لماذا تهاجم هذه الكتائب مناطق ليس فيها أصلا وجود عسكري للنظام؟ ولماذا تصر هذه الكتائب على القضاء على أي بنية تنظيمية كردية في المناطق ذات الغالبية الكردية رغم الدور الإيجابي لهذه التنظيميات في إدارة تلك المناطق؟ والأهم لمصلحة من المواجهة العسكرية مع المكون الكردي ومحاولة جره إلى حرب عربية – كردية في هذه المناطق تحت النزعة القومية؟
في الواقع، منذ بدء الجيش الحر عملياته العسكرية ضد النظام، ثمة مخاوف متبادله بينه وبين الأكراد وتحديدا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي نجح في بسط سيطرته على معظم المناطق ذات الغالبية الكردية الممتدة من عفرين شمالا إلى نهر دجلة في أقصى الشرق، ودون شك لهذه الخشية المتبادلة، أسباب كثيرة، تتجاوز المعادلة الداخلية السورية، فالأكراد عموما ولاسيما حزب الاتحاد الديمقراطي يعتقدون أن الجيش الحر الذي يتلقى اشكال الدعم من تركيا له أجندة بفعل التأثير التركي، من بينها إقصاء المكون الكردي في سوريا المستقبل لصالح بعد ايديولوجي له علاقة بالسياسة الإقليمية لتركيا وخوف الأخيرة من تطورات القضية الكردية في المنطقة. في المقابل يعتقد الجيش الحر ومعه الكتائب المسلحة التابعة لجبهة النصرة ان ثمة تحالف غير معلن بين النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، علما ان قوات الأخير دخلت في مواجهات مع قوات النظام في أكثر من منطقة خلال الفترة الأخيرة.
هذه الخشية المتبادلة تحولت قبل نحو سنة إلى حالة من المواجهة العسكرية على الأرض في مدينة رأس العين (سري كانيه بالكردي) والتي سكانها هم خليط من العرب والكرد والآشور والشيشان.. الخ عندما هاجمت كتائب مسلحة من الجيش الحر وجبهة النصرة مدينة رأس العين حيث قدمت بعض القوات من الداخل التركي، وهو ما أعتبره الأكراد اعتداء على مناطقهم خاصة كما قلنا ان لا وجود عسكري للنظام في هذه المناطق، فلماذا الهجوم عليها؟ ولماذا الإصرار على عسكرة المناطق الشمالية الشرقية التي تتواجد فيها أغلبية كردية؟ حيث تزداد المخاوف الكردية من ان تؤدي سيطرة الكتائب المسلحة على هذه المناطق إلى قصفها من قبل النظام وتعرضها للتدمير بعد ان كانت تعيش بعيدا نسبيا عن حدة المواجهات العسكرية، ولجآ إليها عشرات آلاف من النازحين من مختلف المناطق السورية ولاسيما من محافظات ديرالزور وحلب وحمص وأدلب. في الواقع، بغض النظر عن نتائج معركة رأس العين والتي أنتهت على شكل اتفاق للتهدئة، فانها دفعت بالأكراد إلى حالة من رص الصفوف والتعبئة العسكرية والعمل على تشكيل جيش كردي موحد في المناطق الكردية، وعلى المستوى الفكري والسياسي برزت كتائب الجيش الحر وجبهة النصرة في نظر الأكراد عبارة عن مجموعات إسلامية وعروبية وقبائلية مسلحة لا تؤمن بحقوق الأقليات والطوائف، بل ان الكثير من التصرفات مثل أعمال السلب والنهب والسرقة والخطف في هذه المناطق باتت مرادفة لصورتها، في المقابل وجد الجيش الحر في الاستماتة الكردية بالدفاع عن الخصوصية القومية، فارقا في علاقتهم بكل من النظام والقوى المطالبة بإسقاطه من جهة، ومن جهة ثانية بأولوياتهم وقضية تأرجحهم بين الهوية الوطنية السورية وحقوقهم القومية.
بعيدا عن الجدل الجاري بشأن العلاقة بين الجيش الحر والأكراد، فان الهجوم على المناطق الكردية الآمنة نسبيا تدفع المرء إلى التوقف عند ما يلي :
1- ان المناطق الكردية تكتسب أهمية خاصة نظرا لاستحواذها على ثروات استراتيجية مثل النفط والغاز والقطن والحبوب، وهذه الثروات في نظر الجيش الحر تعد مالا وسلاحا فيما هي بالنسبة للأكراد تأكيدا للنزعة القومية وما يترتب على ذلك من إدارة واقتصاد ومجتمع وحكم محلي وحقوق.
2- ان الجيش الحر ومعه المعارضة السورية وتحديدا الائتلاف الوطني لا يقدمون مقاربة واضحة لجهة الحقوق القومية الكردية والإقرار بها، وهو ما يزيد الهواجس الكردية إزاء مجمل المعارضة السورية، ويجعل الاكراد دوما في موقع الموازنة بين المعارضة والنظام وانتهاج سياسة براغماتية تنطلق من اعتبارات المصلحة القومية الكردية قبل كل شيء.
3- ثمة قناعة دفينة لدى الأكراد بأن السبب الجوهري لسياسة المعارضة السورية سواء في الائتلاف الوطني أو الجيش الحر تجاه الأكراد، هو تركيا التي لا تريد للمكون الكردي أي دور في مستقبل سورية .
4- ان ما يلفت الانتباه عند اي هجوم للجيش الحر على المناطق الكردية هو تصريحات كبار قادة الجيش الحر ولاسيما العقيد مالك الكردي والعميد مصطفى الشيخ، إذ يؤكدون في كل مرة ان هناك سوء تفاهم وأخطاء وان الأكراد أخوتنا ….والسؤال لماذا يتكرر ذلك من جديد؟ من الهجوم على رأس العين قبل نحو سنة إلى الهجوم الحالي على عفرين … ثمة أجندة إقليمية تنفذ لإقصاء المكون الكردي ودفعه إلى الإنقسام والإقتتال الداخلي، فيما يؤكد الأكراد في كل مرة ان قضيتهم حقوق هي المعيار في كيفية التعامل معهم. معادلة تستحق التأمل من أجل المستقبل.
ايلاف