من زنوبيا … إلى رزان زيتونة كم أنت عظيمة أيتها المرأة السورية
زين الشامي
المجتمع السوري مجتمع يتميز بحضور طاغ للمرأة، في البيت في الشارع، في مكان العمل، في الفن، في الاعلام، في التاريخ وفي الثورة الحالية أيضاً ضد الاستبداد وضد هذا النظام الدموي الذي لم يعرف التاريخ العربي الحديث نظاما يضاهيه في البطش والتنكيل بشعبه سوى نظام صدام حسين في العراق.
عندما نتحدث عن المرأة السورية يحضر أمامنا تاريخ طويل من الدور المتقدم والانخراط في الشأن العام بدءا من «زنوبيا» ملكة تدمر و«جوليا دومنا» وهي من مدينة حمص وكانت زوجة القيصر الروماني الفينيقي الاصل سيبتيموس سيفيروس، وصولا الى الناشطة رزان زيتونة التي نالت أخيرا جائزة ابن رشد للفكر الحر.
وفي الحقيقة فإن الجائزة التي منحت لرزان زيتونة تستحقها كل امرأة سورية بدءا من امرأة طاعنة في السن من درعا حملت حجرا ورمتها على دبابات جيش بشار الاسد وانتهاء بالناشطة السلمية ريما دالي التي رفعت يافطة عريضة في قلب دمشق كتب عليها : أوقفوا القتل نريد ان نبني وطنا لكل السوريين.
ليست ريما دالي ورزان زيتونة فقط، بل هناك عشرات الآلاف من النساء السوريات من بينهم الكثير من المثقفات والفنانات اللواتي وقفن منذ اول لحظة في عمر الثورة مع قضية الحرية وقررن الانحياز لشعبهن، ولعل الإضراب عن الطعام الذي شاركت فيه
العشرات من النساء السوريات أخيرا مثل الشاعرة لينا الطيبي والناشطة سلمى
جزايرلي والشاعرة رولا الخش والفنانة لويز عبد الكريم والناشطتان وفاء سالم وجورجينا جميل والناشطة ريما فليحان وغيرهن، يعتبر مجرد مثال بسيط على مثل هذا الانحياز والانخراط الرائع للمرأة السورية في الثورة.
ليس فقط الفنانات او المثقفات السوريات من يشاركن بقوة في معركة السوريين من اجل الحرية بل النساء العاديات، ربات المنازل ومعلمات المدارس وطالبات الجامعات والأمهات والأخوات، ولعل التقرير الذي نشرته مجلة «النيوزويك» الورقية وعلى موقعها الالكتروني أيضاً عن الدور الكبير لأولئك النسوة «العاديات» في الثورة يضاهي التوقعات، تلك النساء اللواتي يخاطرن بحياتهن حين يلعبن دورا كبيرا في تأمين الاموال والدواء والطعام الذي يحتاجه المنتفضين.
تقول الناشطة والكاتبة «خولة دنيا» إن كانت الثورة مؤنثة فالثورة السورية أنثى وان هذا بدا واضحاً ومتجلياً منذ اليوم الأول للثورة من خلال مشاركة النساء بكل الأشكال وبكل أطيافهن ومن كل فئات المجتمع.
ربما يقول البعض ان طبيعة المعارك المسلحة ودخول السلاح في الفترة الأخيرة على خط الانتفاضة التي بدأت سلمية قد أبعد النساء قليلاً عن الساحة، هذا قد يكون صحيحا الى حدا ما غير أن هذا لم يعني تحييدهن، حيث لعبت النساء كل الأدوار الممكنة التي لم تعد وسائل الاعلام تهتم بها بسبب انشغالها بالمعارك العسكرية وإعداد القتلى والحصيلة النهائية لضحايا كل يوم، النساء بصراحة ما زلن يتظاهرن وما زالت السلطات السورية تعتقل العشرات منهن يوميا وكل يوم تنضم شهيدات وكل ساعة في الليل والنهار ما زلن يشاركن في العمل الإغاثي والفكري والثقافي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
ومنذ الصرخة التي أطلقتها منتهى الأطرش ضد نظام بشار الأسد، وهي بالمناسبة حفيدة قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، منذ تلك الصرخة كانت النساء السوريات تتعامل مع الثورة السورية من منطق أنهن إحدى ركائز الثورة وليس مجرد تابعات أو اصحاب دور هامشي وثانوي.
لقد شاركت النساء في المظاهرات والمسيرات التي تشهدها قرى ومدن سورية بطريقة مميزة من خلال الهتافات، وصناعة الشعارات والخروج إلى الشوارع بظل القمع والقتل والبطش الذي يقوم به النظام السوري على يد عصابات وفرق الموت وكتائبه الأمنية والشبيحة التي يرعاها النظام وقد رفعت اللافتات التي كتب عليها «المرأة تريد تغير النظام» ومثل الرجال تماما، فقد تعرضت النساء في المظاهرات الاحتجاجية لإطلاق الرصاص الحي الذي أرداهن قتيلات وجريحات، وكلنا يذكر مظاهرة مدينة بانياس النسائية التي سقط فيها العديد من الشهيدات والجريحات وتم اعتقال الناشطة السياسية كأثرين التللي، وكانت الناشطة سهير الأتاسي من اوائل من اعتقلن قبل انطلاق الثورة بنحو يومين فقط بسبب وقفتها الاحتجاجية امام مبنى وزارة الداخلية في دمشق..
أيضاً عرفت المعتقلات السورية اسماءً لناشطات مثل ناهد بدوية وسيرين خوري وربا اللبواني ودانة إبراهيم الجوابرة وفهيمة صالح اوسي (هيرفين) ونسرين خالد حسن ووفاء محمد اللحام وليلى اللبواني وصبا حسن، لا بل ان بعضهن اعتقل قبل الثورة بسبب نشاطهن ومواقفهن المعارضة للنظام مثل طل الملوحي والدكتورة فداء الحوراني ابنة الزعيم اكرم الحوراني. أيضاً هناك من رفضن الصمت وساندن الثورة السورية علنا كالمغنية أصالة نصري،والممثلة كندة علوش وجمانة مراد،والإعلامية رولا إبراهيم وأخريات ليس في الإمكانية عرض كل أسمائهن.
وبكل صراحة يمكن القول اننا أمام حركة وعي جديدة يلعبن النساء فيها دورا طليعيا من اجل بناء الحياة القادمة ومستقبل مجتمعنا، ليس في سورية فقط بل في غالبية المجتمعات العربية.
الراي