صفحات العالم

من عبد الوهاب المسيري إلى سوريا

 

محمد عبد الكريم

خلال فترة حكم العسكر في الموجة الثانية للثورة المصرية، والمواجهات معهم في ظل إختفاء جماعة “الاخوان المسلمين” عن المشهد مشغولين بحصاد سياسي وتقديم الولاء والطاعة للمجلس العسكري،  انشقت مجموعات شبابية عن “الإخوان”، حيث لم تجد ما يشبع رغبتها الثورية والتقدمية بعدما عاش الشباب كله حالة رومانسية طوباوية، فكان من الصعب العودة الى السياسة بمفهومها القديم العفن، حين ظل الهيكل العام بداخل “الاخوان المسلمين” بعد الثورة في ثبات لم يؤثر أو يتأثر بالتغيير، بل ظل القرار حبيس مكتب الارشاد بعجائزه ومسنينه.

ولم يتأثر المكتب بالمفهوم الجديد الثوري والخطاب الشبابي داخل الجماعة، فكان حال الشباب كالتالي: منهم من غرق في الاستقطاب الاخواني، ومن نجا منهم ذهب الى توجهات شتى اغلبها ومعظمها داخل الاطار الفكري السياسي الاسلامي، فالتحق البعض بحزب مصر القوية وحزب الوسط وأنشأ بعضهم حزب التيار المصري وانشغل بعضهم بالالتراس وحركة “أحرار”، ومنهم أيضا من قرر الانسحاب من المشهد السياسي الى التنظير والمشاهدة فقط، ان يكون فعالاً داخل عقله ونفسه والا ينغمس في السياسة حتى لا يلوث ب”قذارة” المشهد وخصوصاً ما بعد التخبطات الايديولوجية وتأثيرها على مفهوم الثورة. فانحصر مفهوم الثورة في ذكرى باهتة أو طوباوية غير واقعية، فيما فقدت الثورة أيضا مفهومها لدى رجل الشارع البسيط الذي قرر أن ينزع عنها رداء القدسية، وشارك الفلول في المشهد برداء الثورة.

 وفي حلقات “التدارسية”، وهي بمثابة حلقات قراءة جماعية للتراث الاسلامي الفكري اجتمع من قرروا أن يلوذوا فراراً من هذا المناخ السياسي المبتذل والبعد عن الظاهر السياسي غير الصحي إلى العمل الفكري الى حين إشعار أخر للمشهد السياسي المصري. فإن تاب المشهد السياسي عن وساخاته، سيعود الشاب الطوباوي الى الواقع، بل وسوف يكون لديه حصيلة أفكار ربما تجدي وتنفع للواقع.

 وعن “التدارسية” يقول أحد المشاركين: “نتناول المشاريع الفكرية لعبد الوهاب المسيري وعلي عزت بيغوفيتش و طه جابر العلواني، يقوم المشاركون بقراءة كل الكتب والسيرة الذاتية للشخص المعني بالدراسة، وبعد القراءات يقدم كل فرد من المشاركين ورقة عمل لا يوجد شكل محدد لها، فمنهم من يقدم أسئلة وانطباعات عن الكتاب أو محاولات تطبيق لافكار موجودة أو تحليل باستخدام آليات الكاتب عبد الوهاب المسيري”.

هكذا تحدث محمد محرز ليوضح لصديقه عن فكرة “التدارسية” قبل أن يذهب الى سوريا. قرر ألا يبايع تلك الأنظمة اللاأخلاقية في مصر وسوريا، ترك عزلته التنظيرية ونزل إلى أرض الواقع، رأى في سوريا أولوية إنسانية على مصر. لم تكن مصر وجهته الاولى، ربما لصعوبة مواجهة من كانوا أصدقاءه بالأمس.

 ومع المشهد السوري المحتدم بصراعات في أغلبها ايديولوجية وطائفية كان لمحرز وجهة نظر أخرى، فيقول في كتاباته أن الموضوع إنساني بحت ليس له اي إنسياق ايديولوجي، فآمن بتفسير معين لما يحدث وقرر أن يدفع روحه ثمناً. لم يكن يعلم أنه سيتحول عبر صفحات موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” الى ايديولوجيا مقززة أو أن يستغل على صفحات الجهاديين، بينما انعزل اصدقاؤه في خلوتهم “التدارسية” يكملون بحثهم الفكري في مؤسستهم التعليمية الخاصة، وكأنهم “أخوان الصفا وخلان الوفا” لهذا العصر .

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى