من عجز مريع إلى فشل ذريع/ صبحي حديدي
الدول التي اعتادت عقد قمم كونية تحت مسمّى “مجموعة العشرين” تمثّل، كما هو معروف، قرابة ثلثَيْ سكان العالم، وما يزيد عن 75% من التجارة الدولية، و85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وأمّا أعلى طموحاتها، كما تعلنه قمتها الراهنة المنعقدة في بريزبان، أستراليا، فإنه بلوغ نموّ لا يتجاوز نسبة 2%.
ومنذ سنة 1999، حين انطلقت الفكرة من اجتماعات لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، للدول ذات “الاقتصادات المتقدمة والناشئة” كما يقول التوصيف،عقدت مجموعة العشرين ثماني قمم، كانت الأولى فيها بمثابة ردّ فعل، لتوجيه نداء استغاثة ربما، في أعقاب الأزمة العالمية التي عصفت بالأسواق والبورصات والمصارف. أمّا الإنجاز، في المقابل، فإنه لم يكن مخيباً للآمال، حتى المتواضعة المتدنية منها، فحسب، بل كان أشبه بمناسبة لإعلان الانتقال من عجز مريع، إلى فشل ذريع!
واضح، في المقابل، أنّ الولايات المتحدة أخذت تتراجع عن سياسات الحماية المتغطرسة التي سعت إلى فرضها على قمّة مجموعة العشرين في واشنطن، تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، ثمّ قمّة لندن، في نيسان (أبريل) 2009. الأسباب عديدة، على رأسها تناقض المصالح بين النخب الحاكمة في الولايات المتحدة وأوروبا، وتعزّز مواقع الدول ذات الاقتصادات الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية، والصين بصفة خاصة.
بعض أبرز المفارقات، في هذا الصدد، أن تكون الصين، ذات النظام السياسي الشيوعي، رسمياً على الأقلّ، والاقتصاد القائم على مركزية حكومية، بين الأحرص على انتشال الاقتصاد الأمريكي من مآزقه، لا لشيء إلا لأنّ الدولار هو العملة التي تغطّي صادرات صينية بالمليارات!
مفارقة أخرى يلمسها المرء إذا قلّب صفحات الـ”وول ستريت جورنال”، فقرأ الدروس السلوكية التي تتوجه بها الصحيفة إلى رجالات البيت الأبيض، خاصة أولئك الذين يتولون الملفات المالية والتجارية: 1) لسنا في عقود الهيمنة، وتأزّم الاقتصادات الآسيوية، حين كانت الخزانة الأمريكية تسيّر اقتصاد الكون من خلال صندوق النقد الدولي؛ و2) لا مناص، استطراداً، من مراعاة مصالح اقتصادات الصين والهند والبرازيل، على حساب الحلفاء في أوروبا؛ و3) من الضروري منح هذه الدول قوّة تصويتية أعلى في اجتماعات صندوق النقد الدولي، على حساب حلفاء مثل فرنسا وألمانيا، وهذه المرّة عن سابق قصد، وبما يخدم مصالح الولايات المتحدة…
ومنذ قرابة أربعة عقود، حين دعا الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان إلى أوّل قمّة تجمع الدول المصنّعة الأغنى، كان الهدف أقلّ طموحاً بكثير من سلسلة البنود المتشعبة التي باتت تُوضع على جدول أعمال زعماء العالم المصنّع، الآن وقد أراحوا أنفسهم من نخبوية قمم الثماني، فوسّعوا نطاقها العددي والجغرافي إلى العشرين. وفي واقع الأمر بات التشعّب ذاته هو الذي يحوّل هذه القمم إلى جعجعة بلا طحن، وإلى حوار بلا طائل داخل قلاع محصّنة، حيث الآذان صمّاء تماماً عمّا يدور في الشارع من صخب وعنف وتظاهرات واحتجاجات.
أخلاقيات هذه القمم لم تتغيّر جوهرياً، أو هي لم تتغيّر إلا بما يناسب واقع الحال في الدول الصناعية ذاتها، وبين بعضها البعض؛ وليس بما يناسب مستجدات العالم الشاسع الواسع، الفقير والمدين والمتخلّف والمريض والجائع. والأمريكي إريك د. ك. ميلبي، الذي عمل في مكتب الأمن القومي الأمريكي وشارك في التحضير لقمم الدول الصناعية بين أعوام 1987 و1993، يقرّ بأنّ هذه القمم بحاجة إلى “نفضة” شاملة كاملة، من نوع يجعلها أقلّ كلفة وتكلّفاً وأكثر فائدة وجدوى.
وقد يقول قائل: ولكن، ثمة جدول أعمال حافل بالبنود في كلّ مرّة، يشمل أمال النموّ، وهموم الديون والفقر والأوبئة (“إيبولا” هو الأحدث على اللائحة)، وبروتوكول كيوتو حول المناخ، وملفات السياسة المختلفة (من أوكرانيا إلى “داعش”، مروراً بالبرنامج النووي الإيراني)… كلّ هذا وارد، بالطبع، ولكن ألم يكن الستار يُسدل على نتائج عجفاء هزيلة قاصرة، في ختام القمم كلها بلا استثناء؟ ألا تحتشد البيانات الختامية بالبلاغة ذاتها، الطنانة الرنانة، دون نتائج ملموسة على صعيد اقتصاديات البشر، أغنياء وفقراء، في أربع رياح الأرض؟
وبالتالي، ألا يجوز الافتراض بأنّ قادة الدول الصناعية لا يدركون سبباً آخر لاجتماعاتهم هذه، ما خلا أنهم يجب أن يجتمعوا… كيفما اتفق!
موقع 24