من مهارات النظام السوري/ حواس محمود
أثبت النظام السوري أنه ذو بنية استبدادية، وقادر على أن يلعب لعبته البهلوانية الخبيثة والذكية والمراوغة في آن، سواء في تعامله مع القضايا الداخلية السورية، بتأجيل كل الاستحقاقات الوطنية للشعب السوري، وربط هذا التأجيل وهذه الاستحقاقات، أكثر من نصف قرن، بقضايا إقليمية عربية الطابع، كقضية فلسطين والأراضي العربية المحتلة. واستطاع أن يتقن لعبة التواطؤ من تحت الطاولة مع القوى الغربية، الولايات المتحدة وأوروبا. من خلال الإعلام، أظهر أنه نظام معاد لإسرائيل ومدافع عن القضايا العربية، ولكنه استطاع، في العمق، أن يضرب النظام العربي ضرباتٍ بنيوية قاتلة، فأجهض الجهود الوطنية اللبنانية، عندما مارس القتل بحق المناضل كمال جنبلاط، وارتكب مجازر تل الزعتر بحق الفلسطينيين في لبنان وغيرها من المجازر.
كان شعار النظام السوري تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة، لكنه لم يطلق رصاصة في جبهة الجولان. وعندما اجتاحت إسرائيل بيروت عام 1982 لم تطلق القوات السورية طلقة تجاه الطائرات الإسرائيلية. وقد رفع شعار جبهة الصمود والتصدي، بالتحالف مع اليمن وليبيا والجزائر، وقبله أعلن شراكات مع الأردن ومصر وليبيا. ثم أرسل قواته إلى الخليج ضد عراق صدام حسين عام 1990، وتحالف مع ايران في الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988. وكان دوما يرفع شعار لا للتدخل الخارجي، بوجه المعارضة السورية، قبل انطلاق الثورة وبعده، غير أنه تحالف مع إيران وروسيا، وتدخلت البلدان في الأزمة السورية أبشع تدخل. ورفع شعار الممانعة والمقاومة، قبل الثورة وبعدها، وخدع به كثيرين.
الخلاصة أن النظام السوري ماهر جدا في اللعب بالشعارات، والقدرة على التحول من شعار إلى آخر، حسب المرحلة والظرف وتوازن القوى السائد. ويبدو أن لدى هذا النظام مخططين أذكياء من داخله وخارجه، فكلما شعر الشعب، ومعه المراقبون والمحللون، بقرب دنو أجله، عاد تدريجيا إلى أن يستعيد قوته، وإن لم يستطع، بقواته ومخابراته، فبتدخل خارجي يراه حراما وجريمة للمعارضة والشعب، بينما يحلله لنفسه، ويمارسه وكأن شيئا لم يكن، فقد توقع كثيرون سقوط النظام، إثر مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، في 15نوفمبر/ شباط 2005، مع تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إلا أن المحكمة ميعت، على الرغم من أنها اتهمت عناصر من حزب الله، سرعان ما تخلص الأخير منهم، بدفعهم إلى معارك سورية، بعد أن رفض تسليمهم للمحكمة. وها هي الثورة السورية التي ظننا أنها ستقضي على النظام، يواجهها هذا بمختلف أنواع السلاح، وأيضا ببروباغندا إعلامية تتهم المعارضة بالإرهاب، الأمر الذي لاقى صدى مصلحيا ودعائيا غربيا، توافق مع الخبث والدهاء للنظام الذي استطاع إيجاد نقاط الضعف لدى الخصوم، واستعطف الغرب الذي يدرك هذه الألاعيب، لكن الإخراج المسرحي للنظام وجد صدى لدى الغرب، وتوافقا مع مصلحة مشتركة، وها هو النظام مستمر، على الرغم من أن جيشه تفكك إلى درجة كبيرة.
إنه نظام المراوغة والانتهازية والمخاتلة، ولعل كثيرين من الشعب والمراقبين قد انطلت عليهم لعب النظام السياسية والإعلامية، ولازالت تنطلي على كثيرين الآن، على الرغم من أن الثورة السورية كشفت كل ألاعيبه ومراوغاته وممارساته البشعة بحق الشعب السوري.
العربي الجديد