مها حسن: الكتابة تقف مذهولة أمام الأسطورة التي يصنعها السوريّون
بوعلام غبشي
حرقة الكتابة الحرة وبطش الأجهزة القمعية
نخبة الكتاب والمبدعين تكون في طليعة من يؤدون فاتورة باهظة عند اندلاع أي انتفاضة شعبية ضد الأنظمة القمعية، كما يحصل اليوم في سوريا، حيث وضع العديد منهم، خصوصا أولئك الذين اختاروا الانحياز للشعب، خلف القضبان أو تجدهم يقومون بدورهم بالكثير من الحذر حتى لا يقعون بين أيدي أجهزة البوليس و الجيش.
بوعلام غبشي من باريس: هؤلاء جميعا يطبقون باحترافية عالية، و إن كان ذلك بشكل غير مقصود، المفهوم الغرامشي المعروف، الذي يلح على مسألة المثقف العضوي الذي ينخرط في الهم العام لأبناء شعبه انطلاقا من موقعه، و يجمعهم جميعا رغم اختلافات اهتماماتهم هاجس إرساء الديمقراطية في بلدهم.
فئة المبدعين بتفرعاتهم تعد قلب النخب المثقفة، لأنها هي لوحدها من تملك الأدوات النوعية في تعبئة الجماهير و الدفاع عن كرامتها سواء أمام النظام أو في الخارج و بطرق إبداعية فنية، تحضر فيها الموهبة و الملكة زيادة على الجودة في الأداء.
لقد تسلحت هذه الشريحة بما أوتيت كلمتها، ريشتها، صورتها، حركتها و غيرها من قوة لتشد على يد الجماهير من جهة، و لحثه على الصمود من جهة ثانية، و بأساليب لا تخلو من إبداع، لأن هي لوحدها من تحسن القيام بذلك.
و لذلك، لم يكن النظام متسامحا معها، فآلة القمع في سوريا تحركت بقوة لمحاربتها و الإلقاء بها في المعتقلات، و كانت منظمة حقوقية عربية معروفة أشارت في لائحة لها إلى أسماء كثيرة أوقفها النظام، نجد ضمنها الكاتب و الشاعر و الفنان و الصحافي… كان من أبرزنها الكاتب المعروف علي العبد الله، الذي أطلق سراحه في ما بعد بحسب مصادر حقوقية سورية.
ربيع شعار:أقوم ما بوسعي لدعم الكتاب و المبدعين في سوريا
قال الإعلامي و الكاتب السوري ربيع شعار إنه “يتابع الملاحقات الأمنية المتوحشة التي تستهدف الكتاب و المبدعين في سوريا بكثير من الغضب و الأسى و أفعل ما بوسعي لدعمهم و مساندتهم و الوقوف إلى جانبهم : حيث أذكر أسماءهم في برنامجي الإذاعي بكل الإجلال و أقرأ على المستمعين مقتطفات من إبداعاتهم، و أكتب على صفحاتهم و صفحتي على الفيس بوك مطالبا بالإفراج الفوري عنهم مدينا العصابات الأمنية التي تستهدفهم و هم المسالمين العزّل إلا من أقلامهم و أفكارهم الثورية المبدعة الأصيلة… “
كما أضاف مقدم برنامج “مراسي” بإذاعة المنار العربية في بروكسيل، في تصريحات لإيلاف، “نحن نرفع أسماءهم في مظاهراتنا المساندة للثورة السورية المباركة و نهتف مطالبين بالإفراج عنهم و الاعتزاز بهم و نتصل بالبرلمانيين و منظمات حقوق الإنسان المحلية للدفاع عنهم و إدانة المجرمين الذين يعتدون عليهم… “
و يؤكد شعار أن هذه النخبة في داخل سوريا “مازالت تلعب دورها، و إن بأساليب تلميحية، لشدة القمع المسلط عليها من أجهزة النظام الأمنية المتوحشة… و اليوم أصبحت أكثر جرأة في الانتقاد و التلميح و أحيانا التصريح… “
ويتابع المنشط الإذاعي السوري في نفس المضمار قائلا: إن “اعتقال المثقفين و الفنانين في الأيام الماضية إلا تهديدا واضحا من أجهزة القمع على أن لا كبير عندهم أبدا و أن الثقافة و النخبوية و الإبداع لا يحمي صاحبه من القمع الوحشي إذا نطق بكلمة الحق.. “.
مها حسن: الانتفاضة أعادتني إلى انتمائي السوري
الروائية السورية المعروفة مها حسن، تقول إن الانتفاضة السورية، “ربطتها من جديد ببلدها سوريا الذي كانت في شبه قطيعة معه بسبب منفاها الاختياري في فرنسا”، مضيفة أن “الأحداث الأخيرة، وحّدتنا كسوريين كما لم يفعل أي ظرف آخر. وأكاد أقول إنها أعادتني لانتمائي إلى سورية…”
و عن أخبار نظرائها من المبدعين في بلدها سوريا، تقول مها، “أنا في تواصل مع الكاتبات والكتاب الذين أخذوا موقفاً إيجابياً من الثورة، وانضموا إلى خيار الشعب، أما الآخرون، فإن علاقتي بهم مقطوعة من الأساس، لا أعتقد أن أمري يهمهم، والعكس صحيح أيضا”.
و إن كانت للكتابة معنى في ظل هذا الوضع الحالي، تجيب صاحبة رواية “تراتيل العدم” “الكتابة اتخذت معان جديدة أمام حالات الموت الدائمة، اللاعدالة.. موت من يطالب بالحرية والكرامة. الكتابة هنا هي أقل جدوى ومعنى مما يقع على أرض الواقع… إن الشعب المنتفض اليوم هو من يعطي الأهمية والجدوى للحياة… ربما ستقف الكتابة مذهولة لبعض الوقت، لتستعيد أدوات فهمها المقتبسة من الأسطورة التي يصنعها الشعب”.
و تعتقد مها “أن المرأة السورية، في داخل سورية على الأخص، وفي المهجر أيضاً، حاضرة اليوم”، و ضربت مثلا على ذلك “بالروائية سمر يزبك، وانحيازها غير المشروط للشعب، وكذلك الممثلة مي سكاف، والروائية روزا ياسين حسن، والروائية غالية قباني، والمخرجة السينمائية هالة العبد الله وغيرهن… “
و “كلهن”، تتابع مها، “ساهمن على الأقل بمنح هذا الحراك الشعبي مرجعية مختلفة. فحين تدخل المرأة المبدعة في خضم الثورة، وتتبنى مفرداتها، فإن هذا أولاً ينفي عن الثورة اتهامات النظام لها بأن ثمة جماعات سلفية تقف وراء الشارع، لأن النسوة المبدعات، لسن سلفيات بأي حال، إضافة إلى مشاركة المرأة فيها دحض للفكر الذكوري الذي يحاول تسلق أي حراك أو تصور مستقبلي لسورية”.
و لا تبخل لا المرأة المبدعة السورية و لا العربية بدعمها لنظيرتها في الداخل، بحسب ما تؤكده مبدعة “حبل سري” قائلة “ربما وجودي في الغرب، بمأمن عن البطش الأمني، يتيح لي حراك أوسع، وأذكر أننا في بدايات الثورة، تحركنا، أنا ومجموعة من الكتاب المصريين، ثم انضم إلينا كتاب عرب من بلاد عربية أخرى، لدعم الثورة السورية”.
و يصعب بالنسبة لمها حسن أن تتحدث اليوم عن إمكانية تصريف الواقع الحالي لسوريا إبداعيا، فهي تفيد أن هناك “ثمة اختمارات تحدث الآن، ويصعب تحديد أطرها وقوانينها. نحتاج لبعض الزمن لفهم آلية الظرف الراهن. الدرس الكبير الذي تعلمناه هو الأمل، وقدرة الشعب الأسطورية على كسر الخوف. هؤلاء الذين يخرجون حاملين أكفانهم، ولا يعرفون إن كانوا سيعودون إلى بيوتهم أم لا، يقدمون للبشرية دروساً في الكرامة… “
و تسترسل، في ذات الاتجاه، “التضامن والتآخي الذي لحظناه بين فئات الشعب السوري ومختلف طوائفه ودياناته، يعطينا أيضا دروسا أخرى في عظمة الشعوب التي حاولت الُنخب العربية “نقلاً من الغرب ربما” تحجيمها والتقليل من دورها”.
كما أوضحت مها أن “مصطلح “الجماهير كان يثير ازدراء المثقف النخبوي المتعالي، أما اليوم، فقد صارت هذه الجماهير هي الحَكم على المثقف، مثال أدونيس وما أحدثه من اهتزاز لصورة المثقف النخبوي، وإعادة النظر في مفهوم المثقف العضوي، كل هذه الأمثلة تحتاج إلى وقت لهضم المرحلة، ثم الانتقال إلى قوانين إبداعية تأخذ مكانها في الكتابة القادمة… “
لتخلص إلى “أن الكتابة العربية ستختلف بالتأكيد، وستتحرر من الكثير من الإنشائية والشطط والمماطلة، وسيدخل الكثير من التكنيك الجديد في كتابة بعد الثورة، كتابة الشعوب المنتصرة… “