“مهزلة” الانتخابات السورية تبقي النظام في حلقته المفرغة
ربى كبّارة
على غرار كل خطواته التجميلية العبثية، نظم النظام السوري يوم الاثنين الماضي، ما اسماه “أول انتخابات تعددية ديموقراطية”، فيما كانت حلقات قمعه الدموي مستمرة. وقد أتى أول استحقاق دستوري، منذ تعديل أطاح شكليّاً بحزب البعث قائدا للدولة والمجتمع، “مهزلة” قاطعتها حتى المعارضة الداخلية الوازنة التي طالما تغنّى النظام بالعلاقات بها وراهن على انضمامها لاحقاً إلى حكومة جديدة.
فقبيل أيام معدودة على إجراء الانتخابات ظهر الإحباط، للمرة الاولى منذ اندلاع الثورة، واضحا في طيات كلام مصدر لبناني معروف بقربه من النظام الاسدي. فقد بدا المصدر يائسا من امكان امساك النظام مجددا بمقاليد الامور، خصوصا مع اتباع المعارضة المسلحة انماطا جديدة تصعب مواجهتها منها الاغتيالات والكمائن بدل احتلال بقع جغرافية محددة، اضافة إلى ارتفاع عدد الفارين من الخدمة العسكرية بشكل لافت وهم من غير المنشقين الذين يلتحقون بـ”الجيش السوري الحر”.
ويرى المصدر ان النظام، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات او عن الارقام الرسمية لنسب المشاركين، بات يدور في حلقة مفرغة لن يخرج منها إلا بخروجه من السلطة مهما ضاعف من خطواته “الاصلاحية” وآخرها الانتخابات التشريعية التي اعتبرتها دمشق “ركيزة الاصلاح” ولم ترَ في العمليات العسكرية التي رافقتها اية مشكلة “باستثناء بعض الامور التي تحصل في أي جو انتخابي” وفق وزير الداخلية محمد الشعار.
فهذه الانتخابات لم تؤثر في وتيرة العنف اليومية رغم انها جرت وسط اعتصامات واضرابات وتظاهرات كما انها لم تترك أثرا على طريقة تعاطي الاطراف الخارجية مع الازمة السورية. لكن إجراء الانتخابات بيد فيما اليد الاخرى منصرفة لمواصلة القمع الدموي، لن يخدع العالم باستثناء الدول الداعمة اصلا للنظام الاسدي وابرزها روسيا والصين التي اعربت عن املها في ان تساهم “في تعزيز عملية الاصلاح”، وايران التي رات فيها “خطوة مهمة على طريق الاصلاحات التي اتبعتها القيادة”. أما عربيا ودوليا فلم تلق هذه الانتخابات اهتماما فعليا فيما بقي الاهتمام مركّزا على استمرار العنف الذي اوقع في يوم الاقتراع نحو 30 قتيلا من ضمن لائحة الضحايا التي ارتفعت منذ خمسة عشر شهرا إلى نحو 12 الف ضحية وفق المرصد السوري لحقوق الانسان.
وقد اعتبرتها الولايات المتحدة “اقرب إلى السخافة في ظل تواصل اعتداءات النظام على الشعب” ورات فيها فرنسا، التي خاضت في اليوم السابق استحقاقا ديموقراطيا نقل السلطة من يد اليمين إلى اليسار، “مهزلة شنيعة”. ويدرج متابعون الانتخابات في اطار الاستفتاء نفسه على الدستور الجديد وموافقة دمشق على مهمة المراقبين العرب ثم الدوليين ويضعونها في خانة استفادة النظام من المحاولات الدولية الجارية لحل الازمة لاستثمار الوقت املا بالوصول يوما إلى هدف اصبح مستحيلا وهو القضاء على الثورة .
ويقولون ان نظام الاسد يضع كل هذه الاوراق في يد روسيا لتتمكن من مواصلة حماية النظام في المحافل الدولية حيث يحول امتلاكها حق النقض في مجلس الامن دون الخروج بأي قرار أممي ينفع فعليا في حماية المدنيين.
وقد اجمعت معارضتا الداخل والخارج على مقاطعة الانتخابات باعتبارها محاولة اضافية من النظام للتمسك بالسلطة. فهي جرت في غياب منظمات دولية للمراقبة خصوصا ان مهمة المراقبين الدوليين الموجودين على الاراضي السورية تقتصر على مراقبة وقف اطلاق النار.
فقد دعا “المجلس الوطني السوري”، أبرز هيئات المعارضة في الخارج وأوسعها تمثيلا، إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية. ورأى بلسان أحد اعضائه في الاصرار الرسمي على إجرائها من دون وقف العنف دليل “ارباك واحراج” وان كان هدفه اقناع المجتمع الدولي “بانه ينفذ عملية الاصلاح”.
كما قاطعت الانتخابات المزعومة ابرز هيئات المعارضة في الداخل مثل “هيئة التنسيق الوطنية” التي يعتبر رئيسها حسن عبد العظيم ان وقف العمليات العسكرية وسحب الجيش من الشوارع مقدمة لاي عملية سياسية، والتي قال أحد قيادييها هيثم مناع انهم ضدها “لانها لا تملك أيا من خصائص الانتخابات الحرة”. كما قاطعها تيار “بناء الدولة السورية” الذي رأى رئيسه لؤي حسين انها “مزورة” ولن تغير موازين القوى.
وحدها “الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير “التي تدعي انها من معارضة الداخل شاركت في الانتخابات إلى جانب سبعة احزاب حصلت على تراخيص وفق الدستور الجديد الذي خضع للاستفتاء في ظروف مماثلة في شباط الماضي.
ومن احزاب هذه الجبهة “حزب الارادة الشعبية” برئاسة قدري جميل المعروف بعلاقته الوطيدة بالنظام، والذي قدم لوائح غير مكتملة في العديد من المحافظات. لكنه وحفاظا على ماء الوجه اشار إلى مخالفات عدة رافقت عملية الاقتراع، رابطا تقويمه النهائي للعملية الانتخابية بإجراء “تقويم شامل لحجم المخالفات”.
المستقبل