مهزلة البعث السوري إزاء الديموقراطية الفرنسية
رندة تقي الدين
في اليوم الذي كان الشعب السوري يشاهد مهزلة انتخابية أعدها له نظام مستمر في قتله، كانت فرنسا تعرض على شعبها مظهراً ديموقراطياً ممتعاً وثميناً مع الرئيس نيكولا ساركوزي والرئيس المنتخب فرانسوا هولاند جنباً الى جنب يضعان اكليلاً على ضريح الجندي المجهول احتفالاً بذكرى الانتصار على النازية. فهو درس في الديموقراطية. وقد أحسن الرئيس ساركوزي في دعوة خلفه المنتخب للمشاركة في الاحتفال. فخطابه بإعلانه الهزيمة كان شجاعاً ومشرفاً للديموقراطية. ولا شك في أن مشهد الخصمين السابقين في حملة انتخابية شديدة ومتوترة يبعث بالحلم للشعب السوري بمثل هذا المستقبل الديموقراطي القيم بدل المهزلة المنظمة من نظام يعتقد انه اقوى من المجرى الطبيعي للتاريخ. ان تعليقات الصحافة السورية المقربة من النظام التي هللت لخروج ساركوزي ووزير خارجيته البارع آلان جوبيه تظهر مرة اخرى جهل النظام لاستمرارية السياسة الخارجية الفرنسية التي لا يمكن الا ان ترتكز على قيم حقوق الانسان. فهولاند وفريقه الحاكم لن يتساهلوا مع النظام السوري. حتى انهم لن يحاولوا معه مثلما اخطأ ساركوزي في بداية ولايته واستقبل الرئيس السوري في فرنسا معتقداً انه قد يقنعه بتغيير نهجه. هولاند محاط بفريق من ديبلوماسيين فرنسيين يعرفون جيداً النظام السوري وممارساته. حتى ان هولاند كان تعجب في حديث لـ «الحياة» قبل انتخابات الحزب الاشتراكي الأولية كيف أن بعض اصدقائه في لبنان الذين غيروا موقفهم الآن كانوا يؤيدون هذا النظام القمعي. فاستمرارية السياسة إزاء سورية لا تعتمد على ذهاب هذا او ذاك بل هي مرتبطة بقيم جمهورية فرنسا وفي طليعتها حقوق الانسان التى لطخها النظام البعثي بقمعه وقتله وتعذيبه المستمر لمن لا يسير على خطواته بمن فيهم الاطفال الابرياء.
ان فرنسا هولاند آتية الى السلطة في ١٥ ايار (مايو) وفريقه الديبلوماسي سيتسلم الملفات الخارجية من ديبلوماسيين من المؤسسة نفسها وهي الخارجية الفرنسية التي فيها ديبلوماسيون بارعون من تيارات سياسية مختلفة من اليسار واليمين. والجدير ذكره ان اليمين الحاكم كان عين بعض افضل الديبلوماسيين المعروفين باتجاهاتهم اليسارية في مناصب عليا لكفاءتهم وتميزهم، فساركوزي كان عين السفير ديني بييتون في لبنان ثم الآن على رأس ادارة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، والأمين العام للخارجية بيار سلال الرجل الثاني في الخارجية ومدير الشؤون السياسية في الخارجية جاك اوديبير وهو مهتم بالملف الايراني والسفراء في لبنان باتريس باولي وفي ليبيا سابقاً فرانسوا غوييت وفي مصر جان فليكس باغانون، كلهم ديبلوماسيون يساريون تم تعيينهم في عهد ساركوزي ومن المتوقع ان تستخدم ادارة هولاند كفاءاتهم الكبرى في المنطقة. فلا شك في ان لا قلق من ان يكون هولاند اكثر تساهلاً مع نظام الاسد. ولا شك في ان محادثات هولاند وأوباما في البيت الابيض ستتطرق الى هذا الموضوع الاسبوع المقبل. ففرنسا تعد لعقد مؤتمر لاصدقاء سورية كان قرره الوزير الحالي آلان جوبيه وقد يستمر في الإعداد له الوزير او الوزيرة المقبلة. فمن الافضل للاعلام السوري الرسمي ان يقلق لمصيره ومصير نظام مستمر في قتل شعب باسل كل ما يطلبه هو الحرية والكرامة بدلاً من توجيه شتائم للمسؤولين الفرنسيين المنتخبين من شعبهم. فمن يستحق ليكون في سلة مهملات التاريخ هو نظام يقتل ويقمع ويعذب شعبه وليست له اي شرعية شعبية.
الحياة