صفحات العالم

مهلة أنان واللعبة السورية القديمة


وليد شقير

مهما كانت مظاهر الفوضى في لبنان التي تجعل من الصعب تفسير أسباب الانفلات الأمني الذي حصل في طرابلس ومن يقف وراءها، ومهما كانت التفاصيل الصغيرة والكبيرة كثيرة الى حد يجعل المرء يضيع في تقويم الغث والسمين منها، ومهما كانت الخصومات المحلية كثيرة ومتشعبة بين الطوائف والمذاهب والأحياء والزواريب والعائلات، فإن بعض المواقف العلنية والإشارات التي تأتي من المشاهدة بالعين المجردة تكفي لتجاوز التشويش الذي يمكن أن يصيب المراقب لتدحرج الأحداث في البلد الصغير المثخن بكل أنواع الصراعات ومخلفات حروبه القديمة والحديثة.

ولأن بعض المواقف العلنية تزيل أي التباس تفرضه تراكمات المشاكل التي تعصف بلبنان وستستمر في إعاقة استقراره، فإن ما جرى ويجري في طرابلس ومناطق أخرى من لبنان يفرض التوقف عند الآتي:

1 – تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد عبر تلفزيون “روسيا 24” التي قال فيها: “إذا قمتم بنشر الفوضى في سورية فإنكم ستعانون منها وهم يفهمون ذلك جيداً”. وهي رسالة واضحة الى الدول الداعمة للمعارضة بأن سورية قادرة على دعم أطراف في دول عدة يقود دعمها الى تقويض الاستقرار فيها.

2- ما لم يوضحه الرئيس الأسد، تكفل بتوضيحه نائب وزير خارجيته فيصل المقداد حين قال أول من أمس: “نريد من لبنان أن يراعي مبدأ الجيرة ولا يكون خادماً لأجندات من بعض دول الخليج… ومن يعادي سورية يخسر مع سورية وداخل لبنان”.

63 – وما بقي ملتبساً في كلام المقداد تولى المسؤول السياسي في الحزب الديموقراطي العربي في طرابلس رفعت عيد الإفصاح عنه حين اعتبر أن الوضع في المدينة قد يذهب الى المجهول وأن ضبطه قد يُوجب الطلب الى الجيش السوري الدخول الى لبنان لوقفه… وعلى رغم استحالة ذلك، فإن هذا التوقع يهدف الى القول إن التفاوض مع سورية يساعد في وقف التدهور.

4 – إن الحليف السياسي – الأمني التاريخي للقيادة السورية، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، أحمد جبريل زار لبنان فجأة والتقى علناً جميع حلفاء دمشق بدءاً بالأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله. وليس من عادة جبريل أن يأتي الى لبنان من دون أن تشكل زيارته رسالة ما.

5 – إن الوزراء الحلفاء لدمشق أكدوا في جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس، أن أحداث طرابلس قد تعم كل لبنان. وهذا ما جعل وزير الداخلية مروان شربل يبدي مخاوفه من أن ينتقل الوضع في طرابلس الى عكار ومنها الى البقاع ومنه الى كل لبنان.

مع هذه المواقف تصبح التفاصيل الأخرى المتعلقة بالاحتجاج الطرابلسي على عدم محاكمة الموقوفين الإسلاميين والسجال حول طريقة توقيف الناشط الإسلامي شادي المولوي وغيرها في مرتبة ثانية من الأهمية.

ومقابل المبالغة في الحديث عن وجود “القاعدة” في لبنان والمخاوف من أعمال تقوم وستقوم بها يشكل نفي وزير الداخلية وجودها في لبنان ثغرة كبيرة في معزوفة التخويف المستمر منها… ويُضعف من قيمة “الخدمة” التي تسعى دمشق الى الإيحاء لدول الغرب بأنها تقدمها لها وبأنها تشاركها مكافحة الإرهاب.

في خلفية كل ما يجري اعتقاد سوري بإمكان ممارسة اللعبة القديمة إياها: إظهار القدرة على اللعب بما يسمى الأوراق الإقليمية، عبر تهديد استقرار دول محيطة وعبر عنوان الإرهاب، للتفاوض مع الغرب والدول المعنية عليها. والواقع أن القيادة السورية قررت العودة الى هذه اللعبة مع اضطرارها نتيجة الضغط الروسي للموافقة على خطة المبعوث الدولي – العربي كوفي أنان، لعلها تستفيد من مهلة الثلاثة أشهر التي أعطيت لمهمة المراقبين الدوليين لاستعادة الاعتراف باستمرارية النظام وشرعيته.

فهم النظام في سورية أن مهلة أنان تخدمه لاستعادة بعض ما فقده، بدءاً من لبنان عبر تصعيد الضغوط على ما سمي الكتلة الوسطية (رئيسا الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط) لشعور دمشق بأن مواقف الثلاثي، خصوصاً سليمان وجنبلاط، عرقلت إمساك حلفائها بالقرار السياسي، لأن قبضتها على السلطة فيه لم تعد قوية كما في السابق نتيجة أزمتها الداخلية.

العودة الى لعبة الأوراق الإقليمية قد لا تقتصر على لبنان. والأرجح أنها لن تلقى استجابة دولية، غربية أو عربية، لأن الدول المعنية في وادٍ آخر، ولم تعد تقبل بخوض هذه اللعبة بعد أن باتت أزمة سورية داخلية وبات النظام مهدداً. وستكون للعبة القديمة وظيفة وحيدة هي مزيد من تخريب في النسيج اللبناني الذي يدفع ثمنه المواطنون العاديون، ويدفع ثمنه حلفاء النظام قبل خصومه.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى