مهمّة الثورة .. كُرديّاً
فاروق البرازي
“الكُردي يقضي نصف وقته بالإنضمام إلى الثورة والنصف الآخر من وقته يحلف فيه بأنّه ليس انفصالياً”. هذا الكلام منسوب إلى الرسام الكاريكاتوري علي فرزات، والذي وضع أصبعه بدقة على جرح الكُرد. بدا أنّ قدر الكُردي دائماً أن يحلف بأنّه ليس انفصالياً، وأنه لا يعمل لتأسيس بيئة انفصاليّة في وسط الكُرد. ومن يعرف الكُرد عن قرب، يدرك كم انّ هذا المكون، الذي يجهد بصعوبة حتى يثبت وطنيّته، هو مكون فاعل في الثورة. لم يتخل الكُرد يوماً عن مسؤوليتهم تجاه الثورة، وهم منذ ما قبل اندلاع الثورة كانوا من أكثر المكونات مقاومة لنظام البعث، وعدا عن انّهم من أشعلوا انتفاضهم في وجه النظام الاستبدادي في 2004، والذي وضع النظام في خانة الحيرة من أمره، كان لهم الحضور في كل نشاطات المعارضة في فترة” ربيع دمشق”. وإذا لم أكن مخطئاً، هم أول من أسسوا “منتدى جلادت بدرخان” في مدينة القامشلي، مثلما فعلوا قبل أيام في السيطرة على مدينتي “كوباني” و”عفرين”، كي لا تنزلق الأوضاع نحو الخراب والفوضى. وسعياً لتكون الدوائر الحكومية في تلك المنطقة مستتبة ويتم الحفاظ عليها بعد أن هرب موظفو النظام وغالبيّة النشطاء “ربيع دمشق” تعرف انّ الكُرد لعبوا دوراً فاعلاً في تقريب وجهات النظر بين القوى والشخصيات العربيّة، بخصوص “مبادئ اعلان دمشق”. وعندما زج النظام قيادة “إعلان دمشق” في السجن كان اسماعيل عمر (رئيس حزب الوحدة) وحميد حج درويش يعملان بلهفة للتواصل مع الاحزاب العربيّة، التي كانت منضوية تحت الإعلان. وعند تأسيس “المجلس الوطني”للإعلان أعلنت تأييدها للمّ شمل القوى الديموقراطيّة، وذلك للوقوف في وجه محاولة النظام لسحق البذرة الثورية في شارع المعارضة. هذا الجهد الكُردي لم يذهب سدى ولم يصبح “هباء منثوراً انّما انعكس ايجابياً على المزاج السياسي والديموقراطي لفاعليّ “ربيع دمشق”. وعند انتفاضة الكُرد(2004) شدّ نشطاء “ربيع دمشق” أحزمتهم وتوجّهوا ليقفوا إلى جانب الكُرد وتقديم العون والمشاركة، وفي حين كان الكُرد يقولون بأننا نفتقد” بيشكجي عربي” (نسبة إلى بروفيسور التركي اسماعيل بيشكجي الذي اعتبر قضية الكُرد في تركيا قضيته) نزل الثوريّ العتيق، والبرلماني السابق، رياض سيف ليشارك الكُرد تظاهراتهم واعتصاماتهم أمام مجلس رئاسة الوزراء، حتى انّ سيف أعتقل بسبب هذه المشاركة. ومع اعتقال سيف، لم يعد يقول الكُرد بأننا نفتقد” بيشكجي عربي”. رياض سيف هو “بيشجكي عربيّ” بالنسبة للكُرد!
منذ عام الفين توقف النشطاء الديموقراطيون عن وصف الكُرد بالانفصاليين، وبالمقابل لم تتوقف السلطات عن محاسبة نشطاء الكُرد واتهامهم بأنّهم يسعون “إلى تمزيق الوطن وإلحاقه بدولة أجنبيّة”. هذه الكليشيّه الأمنيّة والقضائيّة المعروفة في سوريا، وهي حقيقة من ضمن الحقوق المحفوظة لـ”البعث السوري”. ولذلك لا يريد ثوار الكُرد أن يسمعوا هذا الكلام من شركائهم في المصير، ولا يرضون لهم أن يتبنوا خطاباً ليس لائقاً بتاريخهم، لكن للأسف بقيت بين الفينة والأخرى تظهر على سطح الحراك هذه التهمة الجاهزة (تهمة الانفصال). وفي الوقت الذي يُراد أن يستهلك النشطاء الكُرد جهدهم في تفعيل الحراك في مناطقهم، تتوزع مهمّة الثوار الكرد بين الدفاع عن أنفسهم على أنّهم جزء لا يتجزأ من المكون السوريّ والثورة وأنّهم وطنيّون منذ تأسيس الدولة السوريّة وليسوا انفصاليين، وبين الدفاع عن الثورة لتحقيق أهدافها في بناء دولة المواطنّة الحقّة. ويبقى السؤال، هل باستطاعة الثورة السوريّة التغلب على هذا الخطاب الإتهامي البالي؟ هنا مربط الفرس.
المستقبل