صفحات الناس

موازنة 2014: نهب السوريين/ مروان أبو خالد

 بدأت الحكومة السورية منذ جلستها التي انعقدت يوم السبت 12 تشرين أول بمناقشة مشروع موازنتها للعام 2014، وفي حين لم تنشر وسائل الإعلام الحكومية بنود الموازنة المقترحة بالتفصيل، فقد اكتفت بالإشارة إلى أن حجم الموازنة للعام المقبل يقدر بـ 1.39 تريليون ليرة، في زيادة طفيفة عن موازنة العام 2013 بمقدار 7 مليارات ليرة، وبعد انتهاء المناقشات سيتم رفعها لمجلس الشعب قبل بداية الشهر المقبل لإقرارها، ومن المستبعد جداً معارضة المجلس لمشروع الموازنة نظراً لهامشيته وموافقته الدائمة بالإجماع على كل ما يعرض عليه من مشاريع وسياسات.

ووفقاً للمصادر الحكومية فإن الأولوية في الإنفاق ستكون لقطاعات التعليم والزراعة والصحة، وأن الدعم الاجتماعي سيرتفع من 512 مليار ليرة في العام الجاري إلى 615 مليار ليرة في موازنة العام المقبل، بالإضافة إلى رفع مخصصات ما سمي بإعادة الإعمار من 30 ملياراً في العام الحالي، إلى 50 ملياراً في موازنة 2014.

وبالطبع فإن هذه التصريحات الرنانة لم تعد تنطلي على السوريين، فكيف يمكن أن تكون الأولوية للإنفاق على قطاعات الرفاه الاجتماعي كالتعليم والصحة في ظل استمرار الحرب واستحواذ الإنفاق العسكري على النسبة الأكبر من الموازنة، فسورية تحتل المرتبة الأولى عربياً في معدل الإنفاق العسكري من الناتج المحلي الإجمالي. مع العلم أن بند الإنفاق العسكري يبقى سرياً أي لا يتم الإفصاح عنه في الموازنة وهذا ما يفتح أبواب الهدر والفساد وغياب المحاسبة والشفافية.

 من ناحية أخرى، عن أي إعادة إعمار تتحدث الحكومة إن كانت تكلفة هذا الإعمار تزداد يومياً مع اشتداد العمليات العسكرية في البلاد ووصلت وفقاً لبعض الدراسات لحوالي 200 مليار دولار، كما أن الدعم الاجتماعي المقدم للفئات الأكثر فقراً يبدو دون جدوى تذكر مع تدهور أوضاع المعيشة ووصول معدلات التضخم إلى ما لا يقل عن 300%.

الجدير بالملاحظة أن موازنة العام 2014 هي الأعلى في تاريخ سوريا، ويبقى السؤال الأبرز من أين ستمول الحكومة هذه الموازنة الضخمة في ظل استمرار الحرب التي يشنها النظام وما خلفته من آثار كارثية على الاقتصاد السوري، لاسيما أن عجز موازنة 2013 قدرته الأوساط الحكومية بحوالي 745 مليار ليرة حدّاً أدنى.

لاشك في أن الإيرادات الأساسية التي ستحصل عليها الحكومة لتغطية نفقات الموازنة ستكون بالاعتماد على زيادة الضرائب والرسوم وأسعار السلع والخدمات التي تقدمها الدولة، فالمصادر الأخرى للإيرادات تكاد تكون معدومة اليوم مع هروب الاستثمارات الى دول الجوار كمصر التي استقطبت حوالي مليار دولار من الاستثمارات السورية، كما أن القطاع العام لا يمكن التعويل عليه مع حجم خسائر تجاوزت 1.5 تريليون ليرة، لاسيما الخسائر الفادحة في مجال السياحة 300 مليار ليرة، والنفط الذي تسببت العقوبات عليه بخسائر قدرت بـ 13 مليار دولار. والإثنان من أكثر القطاعات الاقتصادية رفداً لخزينة الدولة.

الدليل على ذلك هو سلسلة الزيادات في أسعار المحروقات والكهرباء والاتصالات وضريبة إعادة الإعمار وغيرها، كان آخرها خلال شهر تشرين الأول رفع سعر ليتر البنزين بنسبة 20% ممّا سيوفر عوائد إضافية لخزينة الدولة قدرت بـ8 مليارات ليرة وسيتسبب وفقاً لبعض الدراسات الاقتصادية بإضعاف القدرة الشرائية للأسر السورية بمقدار 3%، بالإضافة إلى رفع أسعار السكر والأرز المقدم في الجمعيات الاستهلاكية بمقدار 10 ليرات للكيلو ممّا سيوفر على الدولة قرابة 4 مليارات ليرة، 3 مليارات من السكر ومليار من الأرز.

وفي الوقت الذي لا تتوقف فيه أبواق النظام عن التصريح بأنه لا بديل عن رفع الأسعار والضرائب لرفد خزينة الدولة السورية معتبرة ذلك واجباً وطنياً على السوريين يجب أن يتقبلوه حتى لو ماتوا جوعاً، يظهر انه لو عملت الحكومة حتى في ظل الظروف البائسة الحالية على وقف الهدر والفساد والتهرب الضريبي لحققت عوائد تفوق بكثير مقدار الموازنة ذاتها دون أن تحمل المواطنين أعباءها. فمعدلات الهدر تبلغ 40% من الناتج المحلي الإجمالي وهو من أعلى المعدلات في العالم، والفساد يستنزف وسطياً 30% من الناتج أيضاً. في حين يقدر حجم التهرب الضريبي والجمركي والاقتصاد غير المنظم بحوالي 1200 مليار ليرة، ولكن بالطبع مواجهة هذه القضايا أمر مستحيل على حكومة يقوم عمادها الأساسي على الفساد وهدر موارد الشعب السوري.

والحال ان الجعجعة الجارية حول الموازنة تدفع السوريين أكثر فأكثر نحو الشعور بأن كارثة معيشية تنتظرهم مع كل خطة أو مشروع موازنة تقترحها الحكومة، التي على ما يبدو لن تجد أمامها سوى جيوب السوريين المفرغة أساساً لتمول عجزها وحربها المستمرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى