صفحات الثقافة

موت online

 

 

عبود سمعو

الموت هو ألا تنتظره بعده. أن تجلس القرفصاء أمام عصفور بجناحٍ واحد وتطلب منه أن ينقر راحة يدك.

الموت أن تناغي تلك الرصاصة التي استقرّت في خافقك. أن تصلبَ ابتسامتك على جذعِ زيتونةٍ معمّرة. ألّا تودّع أحداً.

المروحية التي انتشلتنا من الموت غرقاً على نهر الفرات ذات فيضانٍ له، وكانت تتسع لهلعنا وصرخاتنا لتضعنا في أعلى التلّ، هي نفسها التي تتسع اليوم لخمسة براميل متفجرة تسقط فوق رؤوس من نجا من حادثة فيضان النهر آنذاك.

الطفلة التي احتضنها ذلك البيدق، كبرت لتموت مع أطفالها ببرميل عائلي في حي طريق الباب. السماءُ هي ذلك التلّ، والبراميل لا تشبه هدير الفرات. وحدهم القتلة يبتسمون للمرآة فتلتصق ملامحهم على بروازها الأسود الداكن.

كما في حوصلة حمامة، تنبت شظية هاون مع ستة أطفال يرسمون بالطباشير دائرة يتأرجحون بين خطوطها ويصرخون بمرح على رصيفِ حيّ السبيل: “وقعت الحرب في مدينة حلب”.

حلب، التي صُنّفت أخطر مدينة في العالم، لا تزال ترتّب الحلم لموت أفضل. هوس الأمل يلاحق السوريين في شتّى بقاع الأرض الهشّة. الكلّ يرتّب فوضى مبادئه عليها. الكلّ يريد أن يبني مدينته الفاضلة. لا أحد هنا يلقي بالاً للحياة، سوى السوريّ الذي تطقطقت حنجرته من داء الله. أين الله؟!

المعبرُ الذي يفصل بين طرفَي المدينة البائسة، برزخ يعانق الموتُ فيه الحياة. يتراكض الناس من الإقليمين وهم يحملون أرواحهم على أهدابهم المبللة بمطرِ أيلول. طلقة القنّاص المتربع فوق قصر المحافظة تقتلعُ عين الرصيف. الكلّ يتفقد رأسه الذي لامسته أقدامهم.

يلتقط السوريّ أنفاسه، يبتسم، ثمّ يقهقه: أوه، لقد نجا الرصاص من الخطى!

يشعل سيجارة حمراء ويقول بصوتٍ أجشّ: “الموت لا يعني لنا شيئا. يكون فلا نكون!”.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى