موجة “الكهول”
إبراهيم توتونجي
لن يعود العالم العربي فتياً بعد ثلاثة عقود من اليوم. الدراسات الديمغرافية تفيد بذلك. هذه تأخذ بعين الاعتبار معدلات الخصوبة الآخذة بالتراجع. فعوامل ما قبل الثمانينيات، التي خيمت عليها نسبة ولادات عالية، ترافقت مع تراجع في أعداد الوفيات، وخلفت وراءها ما عرف لاحقاً بـ”موجة الشباب”.. آخذة في التلاشي.
لكن، لم يكن أحد يعرف أن الموجة، وهي في طور تشكيل سكونها، ستشتد وتضرب شواطئ وموانئ وتصل إلى نواص و”قمم”، كان الجميع يظن أنها ستظل عصية على الغرق إلى الأبد. لم يتوقع حسني مبارك ولا زين العابدين بن علي، أن الشباب، الذين يعيش جلهم بين البطالة والبطالة المقنعة، أو في “مرحلة الانتظار” المحبطة التي تلي التخرج من الدراسة وتسبق إيجاد فرصة عمل، هؤلاء الشباب الذين كان يتاجر بهم وبأحلامهم في المؤتمرات الدولية.
حيث يتغنى المسؤولون بإنجازات “التنمية والرخاء” الاجتماعيين، فيما هم في الواقع يدعّمون التجهيل والتبطيل وكسر العزيمة وبث روح الإحباط، لم تتوقع تلك الأنظمة الحركة الارتدادية لتلك الموجة، التي، كتسونامي، أغرقت كل نواصي القصور المدججة بالأمن وكلابه.
في سوريا والمغرب، تفيد دراسات السكان، أن “عز الشباب” في المجتمع، قد شهده العام 2005. أي أن ذروة أعدادهم في هذين البلدين مرت، وهي اليوم آخذة بالانحدار. هكذا بوسعنا أن نفهم أن الفرصة التي انتزعها الشباب، في سوريا على الأقل، في هذا الوقت تحديداً، من أجل قول كلمته المعبرة عن التغيير، لم تكن لتعوّض في أي وقت قريب.
وشوارع دمشق العتيقة، التي وصفها محمود درويش ذات يوم أنها منتزه الملائكة، لطالما عجّت، خلال السنوات الخمس الماضية، بفتية وشباب كانوا يتحضّرون، بطريقة أو بأخرى لتلك الفرصة. ربما لم يكونوا ملحوظين، ولم ينكشف أمرهم، إذ إن صخب السواح في هذه المنطقة العثمانية الساحرة، كان يطغى على المشهد ويؤمّن ستاراً لمنتديات “غير سياحية” في الأقبية والمقاهي والأزقة.
بعد ثلاثين عاماً، حين ينحدر عدد شبابنا إلى المستويات الأوروبية، سيلتفت جيل من الكهول في مصر وليبيا وسوريا واليمن وتونس، إلى الوراء ويعرف أنه قاد موجة، في الوقت المناسب.