موسكو – طهران… اقتراب ساعة التغيير/ ميشيل كيلو
تشغل العلاقة بين موسكو وطهران حيزا كبيرا من اهتمام السوريين بشأنهم الوطني والثوري. في الوعي السوري العام، يعتبر وجود طهران العسكري في سورية ضروريا لموسكو التي تمتلك قوة جوية وبحرية فاعلة، لكنها تفتقر إلى قوات برية ضاربة، تمكّنها من تحقيق الانتصار بقدارتها الذاتية، من دون شراكة مع أو مساندة من أحد.
تحتاج موسكو إلى عون إيران، ما دامت نار الحرب تلتهم سورية، وموسكو عازفة عن إرسال جيشها البري إليها، تحسبا لفخٍّ قد تقع فيه، بعد فخ أفغانستان الذي لعب دورا كبيرا في إنزال هزيمة مهينة بها، أسهمت في إسقاط النظام السوفييتي. ومع أن موسكو أرسلت بعض عسكرها، ومرتزقة ينتمون إلى وحداتٍ تشبه مرتزقة “بلاك ووتر” في العراق، فإنها تتخوف من توسيع انخراطها البري في القتال، وما سيعقبه من سقوط قتلى من جندها الذين فقدت بالفعل أعدادا مقلقة منهم خلال العام الماضي. في بحثها عن بديل، وجدت موسكو من مصلحتها التعاون مع إيران، ضمن حساباتٍ تمكّنها من التحكّم برهانات الملالي، المغايرة لأهدافها، وبرزت خلافاتها معها في مواضع كثيرة، مثلما حدث حين نفذ الحرس الثوري، ومرتزقته اللبنانيون والعراقيون والأفغان، هجوما عارضته روسيا في سوق وادي بردى، خاضه حزب الله وشبيحة الأسد، بحجة الحرب ضد جبهة النصرة، واستمروا فيه إلى أن احتلوا منابعه التي تزود دمشق بمياه الشرب، على الرغم من بيان عسكري روسي نفى وجود “النصرة” في منطقته، وطالب بوقف الهجوم عليه.
تحتاج روسيا إلى قوات إيران البرية لكسب الحرب، فهل ستحتاج إليها بالقدر نفسه، لإنجاح حل دولي يعيد السلام إلى الربوع السورية؟ من المعروف أن مواقف الدولتين السورية تتباين في ما يتعلق بأغراضهما، وبالمآلات التي يراد للوضع السوري أن يبلغها، بما في ذلك مصير الأسد ونظامه ووظيفتهما المستقبلية. ترفض إيران حل الصراع سياسيا، بينما تتولى روسيا الإشراف عليه، وتبذل جهودا مضنية لتمريره. وتعمل طهران لحل محض عسكري، يدمر أية مقاومة يواجهها نظام الأسد الذي تعتبره جزءا من كيانها السيادي. وعلى الرغم من أنها حضرت لقائي فيينا الدوليين حول السلام، فإنها تمسكت برفض وثيقة جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2118، وخريطة طريق الحل السياسي الدولي التي رسماها من أجل وضع حد للحرب، وإقامة نظام تسويات دولية وإقليمية لا يمكن طهران من الانفراد بسورية من جهة، ويلبي بالأحرى مصالح القوتين العظميين وأهدافهما في سورية والإقليم من جهة أخرى. تعارض إيران الحل السياسي، لأنها ستكون بعده مجرد طرفٍ فقد تحكّمه بالصراع، وغدا جهةً يحدد الجباران علاقتها بسورية، حسب تفاهماتهما، وبما يتفق مع خططهما التي تقول إشاراتها أن واشنطن قد تستهدف إيران، حتى قبل تسوية الموضوع السوري.
ليس السلام والحل الدولي مصلحة إيرانية، ويرجح أن يفرض عليها مواجهة مع الدولتين الكبيرتين تتحدى قدراتها، وأن يرغمها على قبول الدور الذي سيقرّرانه لها، ليخدم مصالحهما، من دون أن يستجيب، في الوقت نفسه، لما أرادت بلوغه عبر انخراطها في الصراع السوري. بكلام آخر: مع السلام، لن تبقى روسيا بحاجة إلى دعم قوات طهران البرية، ولن تسمح لها بالتالي بمواصلة دورها السوري الراهن الذي يتعارض مع خطتها لإقامة نظام أمن إقليمي، انطلاقا من موقع سوري لا يشاركها فيه أحد، تستعيد بواسطته ما كان للاتحاد السوفييتي من نفوذ وحضور في المنطقة العربية بالأمس، حسب تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
ستتحرّر روسيا قريبا من حاجتها إلى مرتزقة إيران، فإن سعت إلى السلام بتفويض أميركي، كما هو مقرر دوليا، كان عليها القيام بتدابير جدية لإضعاف الوجود الإيراني في سورية، لكبح منافسته لها على الموقع السوري، مع ما سينتجه ذلك من تناقض وتباعد في مواقف وأهداف بلدين يستخدم الإيراني منهما جيشه ومرتزقته لإثارة مشكلاتٍ من شأنها إحباط أو عرقلة حل سياسي تربط روسيا استراتيجيتها ومصالحها الدولية بنجاحه.
هل يمكن للتبدل المرتقب في علاقات الدولتين أن يكون فرصة نستغلها لتحسين أوضاعنا نحن السوريين، ولتوسيع هوامش مناورتنا تجاه إيران والنظام الأسدي؟ وهل يتيح لنا مداخل إلى تفاهم مع روسيا ضد بقاء الحرس الثوري ومرتزقته في وطننا، يعيد بعض التوازن إلى سياستها في بلادنا، بحيث تأخذ بالاعتبار رفض شعبنا الأسد ونظامه، ولموقفها من حقوقه التي لن يتحقق سلام من دون تلبيتها.
العربي الجديد