صفحات سوريةفايز ساره

موسكو في تدخلاتها السورية!/ فايز سارة

لا يحتاج الى تأكيد القول، انه من غير الممكن رؤية القضية السورية اليوم دون التوقف عند التدخلات الروسية فيها. ومنذ اندلاع ثورة السوريين ضد نظام بشار الاسد انخرط الروس في عمق القضية السورية، والامر في هذا لم يكن مجرد رغبة من جانبهم، بل كان احتياجاً من جانب نظام الاسد لتوسيع تحالفاته في وجه الشعب السوري من جهة، ونقلاً للمعركة من طابعها الداخلي الى جعلها معركة خارجية ذات ابعاد اقليمية ودولية، وتناغم الموقف الروسي مع رغبات نظام الاسد مستنداً الى مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية – امنية، يوفرها وقوف موسكو الى جانب نظام الاسد.

ان الابرز في المصالح الروسية الكامنة وراء دخول موسكو الى تفاصيل واعماق الوضع السوري من الناحية السياسية، يتمثل في رغبة موسكو استعادة حليف قديم لها في شرق المتوسط بالتزامن مع تصاعد نزعات التمدد والسيطرة، التي تمثلها سياسة بوتين في المناطق المجاورة، اضافة الى تعزيز موسكو علاقاتها مع ايران على اعتبار الاخيرة عراب نظام الاسد في دمشق وحاميته الاولى.

اما الاسباب الاقتصادية في خلفية الموقف الروسي، فانها تكمن في امرين اولهما مايمكن ان يستجره النظام من اسلحة ومعدات عسكرية روسية، خاصة وان جيش النظام مازال يعتمد العقيدة والاسلحة الروسية، التي تمول صفقاتها من جانب ايران، والامر الثاني، تركيز موسكو ورئيسها بوتين على مبلغ مقدر بمائة وخمسين مليار دولار، تقول التقديرات انها ثروة آل الاسد، والتي يمكن ان يتحول بعضها ويوضع في البنوك الروسية. والابرز في المصالح العسكرية – الامنية، تأمين القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، والتي لها مهمات متعددة في خدمة اسطول روسيا في البحر المتوسط، ويستكمل هذا الجانب بأخر يقوم على ان الصراع في سوريا، يمكن ان يضعف التطرف الاسلامي الذي تعاني منه روسيا وبؤرته في جمهوريات الشركس والشيشان من خلال تسلل العناصر المتطرفة الى سوريا للانخراط في العمليات المسلحة هناك، وتم تداول تقارير متعددة عن قيام الاستخبارات الروسية برعاية خط نقل متطرفين شيشان باتجاه سوريا للتخلص منهم هناك، وبذلك يحققون هدفين اولهما تعزيز فكرة صراع نظام الاسد مع الاصولية الاسلامية والارهاب المسلح، والثاني تخلص روسيا من معارضيها الاسلاميين وخاصة المتطرفين الشيشان.

ان اسباباً سياسية واقتصادية وامنية ابرزها ماتقدم، جعلت موسكو تنخرط عميقاً في الوضع السوري، وهو انخراط وجد تعبيراته في مسارات عدة في السياسة الروسية طوال السنوات الثلاث الماضية وكان الابرز فيها، قيام موسكو برعاية نظام الاسد في المستويات الدولية والاقليمية والداخلية ودعم مواقفه وسياساته، وكان الاهم على الصعيد الدولي منع مجلس الامن من اتخاذ أي قرار يدين او يعاقب نظام الاسد بسبب سياساته وممارساته ضد السوريين، وجاء في ذلك السياق قيام الروس باستخدام الفيتو في مجلس الامن مرات عدة ضد مشاريع قرارات تدين سياسات النظام، وتدعم حق الشعب السوري، كما جاء في السياق ذاته، تبني الروس رسمياً واعلامياً مواقف وسياسات النظام والدفاع عنها في مواجهة مختلف المواقف الدولية بالاستناد الى ذرائع وادعاءات منها ان القضية السورية هي قضية داخلية، وان حلها مسؤولية السلطات السورية والشعب السوري، وانه لا ينبغي التدخل في الشؤون السورية، وهو امر يستبعد الروس انفسهم منه بطبيعة الحال، رغم دعمهم النظام من خلال ارسال خبراء متعددي الاختصاصات للعمل في المؤسستين العسكرية والامنية وفي مجال الخبرات التقنية، اضافة الى ارسال عسكريين من فرق روسية لتأدية مهمات خاصة، وارسال المزيد من الاسلحة والمعدات العسكرية والذخائر التي تقتل السوريين، اضافة الى الهجمات الاعلامية على المعارضة، التي يتهمونها بممارسة الارهاب.

لقد كشفت وثائق رسمية لنظام الاسد، ظهرت مؤخراً عن بعض محتويات الدور الروسي في القضية السورية ابان انعقاد مؤتمر جنيف2، وكان في مقدمة تلك التدخلات رسم ملامح التحرك في جنيف2 وفق مخطط يشمل اعادة هيكلة وفد النظام الى هناك، والقيام باجراءات تتضمن التركيز من الناحية السياسية على مكافحة الارهاب والتكفيرين والقاعدة ودولة العراق والشام الاسلامية، وتعاون النظام في موضوع الملف الكيماوي، وادانة التدخل الخارجي في الشؤون السورية، ومن الناحية العملية طلب الروس الى النظام، تشكيل مجموعة شبابية في جنيف2 من مؤيدي بشار الاسد، تناط بها مهمات دعاوية واعلامية.

وطبقاً للوقائع، فان التدخلات الروسية في القضية السورية، توازي في خطورتها تدخلات طرفين آخرين، يقدمان الدعم والمساندة لنظام الاسد وهما ايران والمليشيات الشيعية ومنها حزب الله اللبناني ولواء ابو الفضل العباس، وبذلك يشكل الروس احدى قواعد المثلث الاساسي، الذي يبقي نظام الاسد قائماً من جهة ومستمراً في قتل وتشريد الشعب السوري وتدمير قدرات سوريا القائمة والمستقبلية.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى