صفحات سوريةمحمد سيد رصاص

موسكو وبكين:الثنائي المستجد في العلاقات الدولية

محمد سيد رصاص
عندما زار ماوتسي تونغ موسكو في شباطفبراير1950،بعد أربعة أشهر من انتصار الثورة الصينية،كان استقبال ستالين له فاتراً،وقد أنزله في بيت لراقصة روسية كانت عشيقة راسبوتين صادرته السلطة السوفياتية الجديدة في عام1917.كان هذا انعكاساً عند الزعيم السوفياتي لتمرد ماوتسي تونغ بين أعوام1925و1927على قيادة الحزب الشيوعي الصيني التي التزمت برأي ستالين في ضرورة التحالف مع حزب(الكيومنتانغ)بزعامة شيان كاي شيك،ثم بعد تولي ماوتسي تونغ لزعامة الشيوعيين الصينيين عام1935رفضه لمساعي الزعيم السوفياتي في انشاء تحالف مع (الكيومنتانغ)في ظروف تحالف ستالين وروزفلت ضد اليابانيين،وهي جهود استمرت حتى آذارمارس1947تاريخ بدء الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو من دون نتيجة.
لم يمنع هذا التاريخ العاصف بين ماوتسي تونغ وستالين من أن يكون الزعيم الصيني أول المعترضين على إدانة خروتشوف لستالين في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي(شباطفبراير1956)،وقد كانت وثيقة بكين المعنونة:”حول التجربة التاريخية لديكتاتورية البروليتاريا”،والصادرة بعد قليل من المؤتمر السوفياتي، أول ارهاص بانفجار الخلاف الصيني- السوفياتي الذي أعلنه خروتشوف للعلن في حزيرانيونيو1960،وهو ماأنهى عقداً من الزمن كان فيه التوافق النسبي السوفياتي- الصيني هو المظلة التي جرت تحتها التراجعات الغربية في الهند الصينية(1954) ومصر(1955-1956)وهي التي أتاحت نشوء منظومة مؤتمر باندونغ(نيسانإبريل1955)،وليبدأ في الستينيات مع خلاف موسكو وبكين توازن دولي جديد أتاح للأميركان اجبار خروتشوف على سحب الصواريخ السوفياتية من كوبا(تشرين ثانينوفمبر1962)ثم الإنخراط الأميركي الكثيف في الحرب الفيتنامية إثر حادثة خليج تونكين(آبأوغسطس1964).
لم يحاول الأميركان الإستغلال المنهجي للخلاف الصيني- السوفياتي إلامع زيارة هنري كيسنجر السرية لبكين في تموزيوليو1971،حيث رأى كيسنجر أن التقارب مع بكين يخلق عوامل ضغط على موسكو لإجبارها على تراجعات في المفاوضات لعقد اتفاقية الحد من الأسلحة الاستراتيجية (سالت 1،تم توقيعها في موسكو بأيارمايو1972)ولدفع الكرملين للضغط على الفيتنامييين الشماليين لتليين مواقفهم في مفاوضات سحب القوات الأميركية من الجنوب الفيتنامي إثر اتجاه كيسنجر إلى سياسة”فتنمة الحرب”وترك حكومة سايغون لوحدها في القتال ضد الشمال ومنظمة الفيتكونغ الموالية لهانوي(تم الاتفاق في باريس،في كانون ثانييناير1973).بالمقابل،كان هذا الخلاف الصيني – السوفياتي مؤدياً إلى فسحة استراتيجية لواشنطن ظهر مداها في مابعد الغزو الفيتنامي لكمبوديا(8كانون ثانييناير1979)،الذي اعتبرته بكين حرباً سوفياتية بوكالة فيتنامية عليها،ومابعد الغزو السوفياتي لأفغانستان(27كانون أولديسمبر1979).
تغيَرت النظرة الأميركية إلى الصين في مرحلة مابعد تفكك (الكتلة السوفياتية) في خريف1989 والاتحاد السوفياتي بالأسبوع الأخير من عام1991،وهو ماتم لمسه في عهد كلينتون من خلال تصاعد الحديث عن”الخطر الأصفر”وبالذات في فترة تولي مادلين أولبرايت للخارجية بالنصف الثاني من التسعينيات.في تلك الفترة بدأ التقارب بين موسكو الجريحة والمهزومة وبين بكين المستهدفة بعد تعملقها الاقتصادي ليتجسد في تأسيسهما(مجموعة شانغهاي)يوم26نيسانإبريل1996(مع كازاكستان وطاجكستان وقرغيزيا)،وهي مجموعة لم تتحول إلى منظمة ذات ميثاق إلافي حزيرانيونيو2002أي بعد ثمانية أشهر من امتداد الولايات المتحدة إلى قلب القارة الأسيوية من خلال غزو أفغانستان،وهو مارأت فيه العاصمتان الروسية والصينية محاولة أميركية لاستيعاب وملء الفراغ في وسط آسية السوفياتي السابق والذي كان الهدف الأساسي وراء فكرة (منظمة شانغهاي للتعاونSCO) إضافة إلى انشاء حاجز صد روسي- صيني أمام(القطب الواحد للعالم) ، في ظرف كانت المؤشرات الاقتصادية العالمية توحي ببدء انتقال مركز الثقل الاقتصادي العالمي إلى الساحل الشرقي الآسيوي للباسفيك(من فلاديفستوك إلى هونغ كونغ ، مع الجزر اليابانية) بدلاً من ضفتي الأطلسي،وهي حقيقة ربما كانت بمستوى انقلاب الموازين الاقتصادية العالمية لصالح الغرب في مرحلة مابعد اكتشاف كريستوف كولومبوس “العالم الجديد”(1492)و”طريق رأس الرجاء الصالح” من قبل فاسكو دي غاما(1497).
كانت(منظمة شانغهاي) اعلاناً عن بد ولادة “ثنائي مستجد”في العلاقات الدولية،لم تشعر واشنطن بثقله المستجد في تصويتات مجلس الأمن حول الملف النووي الايراني(منذ آبأوغسطس2006 )بسبب تفارق بكين عن موسكو فيها،ولكن مع بوادر الضعف الأميركي مع بدء الأزمة المالية- الاقتصادية العالمية من سوق نيويورك(أيلولسبتمبر2008)كان هناك اتجاه روسي- صيني إلى توسيع البيكارالدولي “لتجاوز العالم الأحادي القطب”من خلال تأسيس (مجموعة دول البريك)مع البرازيل والهند في 16حزيرانيونيو2009(انضمت لها جنوب افريقية لاحقاً)،فيمالوحظ هجومية روسية جديدة في 2008-2010في جورجيا وأوكرانيا وقرغيزيا،وصينية في موضوعي تايوان وبورما.
حتى بداية عام2011لم تكن هناك سياسة مشتركة روسية- صينية في مواضيع محددة:منذ المنتصف الأول لذلك العام بدأت تظهر ملامح ذلك من خلال مقاربة مشتركة لموسكو وبكين لإبعاد باكستان عن مدار واشنطن،في محاولة لاستغلال نقمة اسلام آباد من السياسات الأميركية في الموضوع الأفغاني،بالترافق مع مساعٍ من موسكو لحل الخلاف المزمن بين باكستان والهند.في يوم4تشرين أولأوكتوبر2011كان الفيتو الروسي- الصيني المزدوج بمجلس الأمن في (الموضوع السوري)اعلاناً صريحاً عن ولادة ذلك “الثنائي المستجد في العلاقات الدولية:موسكو وبكين”،وهو ماتكرر للمرة الثانية في يوم4شباطفبراير2012 بنفس موضوع الأزمة السورية،ماأدى إلى تشكيل بلوك جديد في العلاقات الدولية،كانت قاعة مجلس الأمن بنيويورك صورته المكثفة،أشَر لأول مرة منذ عام1990إلى انتهاء فترة الإستعمال المريح لمجلس الأمن عند واشنطن،وإلى بداية استقطابات متحركة بين واشنطن وكل من موسكو وبكين لدول مجموعة (البريك)الثلاثة الأخرى،ومن بينها عملاقان اقتصاديان في طور النمو ببرازيليا ونيودلهي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى