ميزان الصراع الأميركي الروسي في سوريا/ ماجد أبو دياك
لعبة التعصيد المحدود
منطق توازن المصالح
إنجاح صفقة القرن
وأخيرا اشتبكت إسرائيل مع سوريا في منطقة الغوطة بعد سلسلة هجمات شنتها إسرائيل على القوات السورية، وتهديدات سورية كلامية بالرد على ذلك عمليا. ورغم أن التصعيد امتد يوما واحدا فقط قبل أن يتم احتواؤه؛ فإنه فتح المجال لصراع محتمل بين النظام السوري المتحالف مع روسيا والمدعوم من إيران، وإسرائيل المتحالفة مع والولايات المتحدة.
فكيف ستعيش سوريا وسط التباين بين روسيا وأميركا كقوتين إقليميتين؟ وهل سيكون لها دور في هذا الصراع المستمر الذي جعلها مثل الثقب الأسود للخلافات الإقليمية والدولية؟
لعبة التصعيد المحدود
هناك تقديرات تقول إن الكيان الصهيوني تعمّد إسقاط طائرة الاستطلاع الإيرانية قرب الحدود، وذلك لجرّ إيران إلى معركة تكشف عن تدخلها وتحرض عليها روسيا وتبرر لمواجهتها أميركياً وغربياً، وتحشد ضدها عربيا، وخاصة السعودية التي تقول إن معركتها الأساسية مع إيران وليس إسرائيل، لأن طهران تتدخل في المنطقة وتشكل تهديدا للدول العربية.
كما أن هناك تقديرات تفيد بأن روسيا ردت الصاع للولايات المتحدة، بعد أن أسقطت المعارضة السورية طائرة روسية من طراز سوخويبصاروخ محمول على الكتف، قالت مصادر روسية إنه كان أميركيا.
كما سبق أن أعلنت واشنطن أنها أحبطت هجوما لما يوصف بـ”الحشد الشعبي السوري” ضد مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (أغلبيتها كردية) الحليفة لواشنطن شرق نهر الفرات، مما أدى لمقتل نحو مئة من العناصر الموالين للنظام. وتحدث خبراء روس وإيرانيون عن أن إسقاط الطائرة الإسرائيلية لم يكن ليحدث لولا وجود ضوء أخضر روسي.
وتسعى موسكو إلى تعزيز وجودها في المنطقة والسيطرة على الموانئ السورية، وهي تعمل مع إيران (تكتيكياً) والنظام السوري لتعزيز وجودها في المنطقة على حساب القوى السنية في سوريا. ولذلك فهي تحارب المعارضة السورية لمصلحة النظام السوري، وتتقاطع في ذلك مع إيران دون أن تتحالف معها خصوصا ضد إسرائيل.
ولكن إسرائيل تعوّل على أن موسكو ستسعى في نهاية الأمر إلى “اقتلاع الانتشار الإيراني العسكري المتنامي في سوريا”؛ كما يقول وزير الإسكان الإسرائيلي يؤاف غالانت، وهو عضو في مجلس الأمن القومي.
ويضيف غالانت: “لا أحد يرغب في الإيرانيين بهذا المكان؛ لا الدول السنية (الأردن ومصر والسعودية وتركيا)، ولا الأوروبيون القلقون من ملايين السوريين الذين غادروا سوريا وهم في طريقهم إلى أوروبا نتيجة سيطرة العلويين، ولا الأميركيون بكل تأكيد”.
وبحسب موقع “تايمز أوف إسرائيل”، فقد قال غالانت إن روسيا المتحالفة مع حزب الله وإيران في الحرب الأهلية السورية “ليست ضدنا، وهذا أمر مذهل”، حسب وصفه.
وأردف غالانت قائلا: “أما بالنسبة للروس، فإنهم كانوا لفترة محددة يقومون بالعمل القذر. وفي مرحلة لاحقة، سنصل إلى حالة سينافسون فيها على الموارد ذاتها، والروس أيضا لن يرغبوا في الإيرانيين بالمنطقة”.
ونسب غالانت الموقف الروسي إلى العلاقات بين بنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين، وعلاقة التنسيق بين الجيشين، وأضاف: “ثقافيا؛ إنهم أقرب إلينا مقارنة بالإيرانيين والمسلمين”.
وأوضح الوزير الإسرائيلي أن “إيران تحاول ببساطة السيطرة على الشرق الأوسط”، وهي تدرك “مزايا إقامة ممر بري عبر العراق ولبنان”، و”نحن لن نسمح بذلك. وفي الوقت ذاته، علينا أن نذكر أن هناك أكثر من لاعب واحد هنا”.
ويرى غالنت أن الروس “يأتون مع مصالحهم الخاصة، ولكنهم مؤثرون ومهمون جدا في المنطقة”، وهم مهتمون بشكل خاص بحماية القواعد البحرية في طرطوس واللاذقية، وتجنب مراقبة تركيا لنشاطاتهم.
منطق توازن المصالح
يأتي كل ذلك بعد أن فشل روسيا السياسي في سوتشي لصالح الدور الأميركي، وانسحاب المعارضة السورية المدعومة أميركيا من المباحثات، احتجاجا على استمرار التصعيد الروسي والسوري ضد إدلب وريف دمشق. هذا فضلا عن مواصلة روسيا دعم نظام بشار الأسد ورفض استبعاده من الحل السياسي.
وقد أدى ذلك إلى إضعاف نسبي لروسيا التي تدعم هذا النظام، إلا أن الدور الروسي في سوريا لم يتراجع، رغم فشل موسكو -حتى الآن- في إخضاع المعارضة التي باتت ضعيفة إثر خسارتها الكثير من مواقعها في سوريا، فضلا عن ضعفها الذاتي وتشتتها.
استمرت تل أبيب في رفض الوجود الإيراني جنوبي سوريا، ونجحت في وضع حد له عبر الضغط على روسيا وبالتعاون مع الولايات المتحدة للحفاظ على توازن القوى في المنطقة، في ظل انشغال النظام الروسي بترتيب أوراقه، وحرصه على عدم الرد على أي تصعيد أو قصف إسرائيلي.
كما قصفت إسرائيل أسلحة وقواعد تعتقد أنها تخدم طهران وحزب الله مستبيحة الأراضي السورية لهذا الغرض، دون أي رد من قبل النظام السوري أو إيران وحزب الله، اللذين لا يجاهران بوجودهما في المنطقة إلا حين الإعلان عن الاشتباك مع المعارضة السورية المسلحة.
امتنعت إسرائيل عن التصعيد بعد إسقاط طائرتها، واكتفت بالرد المحدود والتهديد والوعيد، واتصلت بالروس لمنع المزيد من التصعيد. كما أن إيران -التي ليست على وفاق كامل مع روسيا- لم تلجأ للتصعيد، مخافة أن تفقد الغطاء الروسي الذي يؤمن لها استمرار الوجود والهيمنة في المنطقة.
ولا يريد حزب الله أن تصل الأمور في سوريا إلى حد الحرب ضد إسرائيل التي ستُضعف دوره ووجوده في لبنان وتضر بدوره في سوريا. كما أن إسرائيل لا ترغب هي الأخرى في أن تتدحرج الأمور إلى حرب مع حزب الله وإيران لأن جبهتها الداخلية لا تحتمل ذلك.
ما من شك في أن روسيا تمتلك وجودا وقوة لا يستهان بها في سوريا، مقابل ضعف أميركي واضح، ولكن الموقف الأميركي لا يزال يمتلك بعض عناصر القوة عبر ورقتيْ إسرائيل والمعارضة السورية، وإن كانت الأخيرة ضعفت بسبب خسائرها العسكرية مؤخرا وفقدانها مناطق كانت تحت سيطرتها.
وفي الوقت ذاته؛ تمتنع واشنطن عن تزويد المعارضة بأسلحة نوعية مخافة وقوعها في أيدي متطرفين، وتستعين بدلا من ذلك بالدور الإسرائيلي والتدخل السياسي الذي يشكل عامل أساس في استقرار البلاد. وفي النهاية، فإن تناقض المصالح يجد له توازنا مطلوبا يمنع الوصول إلى تصعيد شامل، ويؤمن طرح مستقبل الأسد في الحكم.
إنجاح صفقة القرن
لا تسعى واشنطن ولا روسيا لإشعال الساحة وتحاولان موازنة مصالحهما في سوريا، خصوصا أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يسعى لضمان نجاح ما يسمى “صفقة القرن”، بدعم دول كالسعودية ومصر والأردن للتحرك الأميركي دون عقبات. وفي سبيل ذلك؛ يسعى للتحشيد ضد إيران سياسيا حتى لا تستطيع طهران خلط الأوراق في سوريا وفلسطين.
وفي هذا الإطار، يستعين الرئيس الأميركي بروسيا في ضمان الهدوء ولجم إيران، وإن تطلب ذلك التغاضي عن تمددها في سوريا على حساب المعارضة. وتسعى روسيا عبر دورها في سوريا لمواجهة الحصار الأميركي لها ولعب واشنطن في ساحتها الخلفية جورجيا.
إن نجاح التحرك الأميركي مرتهن -في أحد جوانبه- لقدرته على ضبط الأمور في سوريا وضمان الحضور الفاعل هناك، خصوصا بعد ضعف الموقف الروسي في ظل فشل مفاوضات سوتشي، والذهاب لمفاوضات جنيفتحت سقف الموقف الأميركي.
كما أن الحفاظ على الهدوء مطلوب للسير السلس في ترتيبات “صفقة القرن”، وتكريس الدور الإسرائيلي في المنطقة ونجاح أدوار كل من السعودية ومصر المؤيدتين للصفقة، على حساب تركيا والدول المعارضة لها بما فيها الأردن والسلطة الفلسطينية.
ويأتي في هذا الإطار الدور التركي المتنامي في سوريا ضمن مسعى أنقرة للحد من وجود الحزب الكردستاني في نسخته التركية. حيث تواجه واشنطن الدور التركي ضد أحد حلفائها الأساسيين بسوريا في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتضغط على أنقرة لوقف تمددها في سوريا.
ويضاف لذلك أن تركيا تحالفت مع روسيا في دورها ضد الأكراد، وأعلنت معارضتها للاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وسعت للتحشيد إسلاميا ضده.
كما أن السلطة الفلسطينية وقفت هي الأخرى ضد صفقة القرن، وعبّرت عن معارضتها لها في مواضيع القدس واللاجئين والاستيطان، الأمر الذي يضيف أعباء على واشنطن في تنفيذ الصفقة التي تعارضها روسيا، وتسعى لتفعيل دور الرباعية في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي.
وهكذا تعيش الساحة السورية توازنا دقيقا بين الولايات المتحدة وروسيا، ويسير الصراع العسكري والسياسي فيها على وقع التوافق أو الخلاف بين القوتين، دون أن يكون للنظام فيها دور أساسي فيما يجري. كما أن محيطها العربي لم يعد مؤثرا بسبب الخلافات التي يعيشها.
جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة
2018