صفحات العالم

مَن للمعتدلين في سوريا؟/ ترودي روبن

في أواخر العام الماضي، زرتُ مقر الميليشيات الإسلامية «صقور الشام» في شمال سوريا. كان عشرات الشبان الملتحين يذرعون ساحة مفتوحة، يتفحصون أسلحتهم، أو يغتسلون، أو يأكلون. لكني لاحظت شباناً حليقي الذقون، كانوا مظهرهم يوحي بأنهم علمانيون. وعندما سألتُ أحدهم عن سبب انضمامه لمقاتلين إسلاميين لمحاربة النظام، أجاب: «إننا نريد مقاتلة الأسد، لكن السلفيين فقط لديهم المال والسلاح للقيام بذلك». هذا المشهد يفسر لماذا لن تحقق الجهود الأميركية الرامية لعقد مؤتمر سلام حول سوريا الشهر المقبل في جنيف أي تقدم على الأرجح، ولماذا التهديد الجهادي في سوريا آخذ في الازدياد. فالإسلاميون المتشددون لديهم المال والسلاح لجذب مقاتلين شباب، فيما ترك الغربُ السوريين المعتدلين يسقطون. فرغم الوعود المتكررة، فإن إدارة أوباما تخلفت عن دعم الثوار المعتدلين، والذين كثيراً ما عانوا من نقص الذخيرة. وبالمقابل، فإن الجهاديين لديهم من الأموال ما يمكِّنهم من جذب الثوار إلى ميليشياتهم.

وفي هذا السياق، يقول دان ليمان، المتحدث باسم «مجموعة دعم سوريا»: «عندما يحتاج المتطرفون إلى الأسلحة، يتصلون بمموليهم في الخارج»، مضيفاً: «وعندما يحتاج الأسد لمزيد من الأسلحة أو المال، يتصل بروسيا وإيران. لكن عندما تحتاج المعارضة المعتدلة لإمدادات، تواجه إدارة أميركية مرتبكة ومترددة تأخرت لأشهر حتى قبل أن ترسل أطعمة».

وبالطبع، فإن تردد الإدارة الأميركية يعود جزئياً إلى خوف مبرر من إمكانية نقل الأسلحة إلى الجهاديين. كما أن بعض أعضاء إدارة أوباما قد يعتقدون بأن المصالح الأميركية ستستفيد من ترك الأسد والجهاديين يتصارعون. غير أن هذا النوع من التفكير قصيرَ النظر يغفل الصورة الكبيرة: إن معاملة الثوار المعتدلين على هذا النحو لم يمنع الجهاديين من الحصول على الأسلحة. كما أن السماح بسقوط المعتدلين من الثوار وازدهار الجهاديين يخلق تهديداً أمنياً خطيراً.

والواقع أن بقاء الأسد غير مهدَّد بالجهاديين، ونظراً لدعم موسكو وطهران له، فإنه يستطيع الانسحاب لحكم جزء من البلاد. وسيقول وحليفه بوتين إن الغرب يحتاجه كسد في وجه الإسلاميين!

وعلاوة على ذلك، فإذا انهارت المعارضة المعتدلة، فإن الجهاديين المموَّلين جيداً سيكونون أحراراً في تعزيز حزام سيطرتهم في شرق سوريا وغرب العراق، وهي المنطقة نفسها التي تقوم «القاعدة» انطلاقاً منها بزعزعة استقرار بغداد. هذا علماً بأن آلاف الجهاديين الأجانب القادمين من شمال أفريقيا وأوروبا وغيرهما الذين يقاتلون اليوم في سوريا سيعودون لتهديد بلدانهم الأصلية. ولنتذكر هنا أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي. غير أن هذه الجهادية الجديدة مجاورة لإسرائيل ومتاخمة لدولة عضو في «الناتو» (تركيا).

وحسب خبراء يتعقبون حركة الأموال، فإن معظم الأموال تأتي من مانحين عرب خواص. وفي هذا الإطار، يقول ويليام ماكانت، وهو خبير في الإسلام الراديكالي بمركز «سابان» التابع لمؤسسة بروكينجز: «إن الكثير من الأموال تأتي من بعض العائلات التي لديها علاقات نافذة ومنظمات خيرية». وهذه المجموعات الراديكالية، يقول ماكانتس، «أصبحت ماهرة في جمع التبرعات حيث تروج لقضيتها على تويتر ويوتيوب».

وعليه، فبدلاً من التركيز على مفاوضات السلام في جنيف، يجدر بفريق أوباما أن يجود استراتيجيته. وفي هذا الإطار، يمكنه أن يبدأ بالضغط على الدول حتى تكبح الخواص الذين يمولون الجهاديين السوريين. وقد كان هذا النوع من الضغوط ناجحاً جداً بعد الحادي عشر من سبتمبر في كبح جماح المنظمات الخيرية التي كانت تساعد الجهاديين عبر العالم.

وبالطبع، فإن الزعماء العرب قد لن يولوا اهتماماً للضغط الأميركي إذا استمر البيت الأبيض في تردده المكلف بخصوص سوريا؛ حيث تشير بعض التقارير إلى أن الأتراك وبعض العرب بدأوا يحاولون تنظيم وتسليح ميليشيات أقل راديكالية. غير أنهم لن ينجحوا إذا لم تلعب واشنطن دوراً قيادياً.

محللة سياسية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى