نأي بالنفس… عالمي!
نبيل بومنصف
يتمنى اللبنانيون لو ان في وطنهم دولة خالصة يمكنها فرض “قانون” النأي بالنفس، الذي لا مرادف قانونيا وحسيا له سوى الحياد، لكان ذلك يوفر عليهم محاذير الانحياز الى النظام السوري أو أخطار التضامن مع ثورة الشعب السوري.
اما وان بشرى تجاوز الحكومة لقطع انفراطها قد زفت على الناس، معطوفة على تشريع اضافي لاسطوانة النأي بالنفس، فلا بد من تصيد هذه الفسحة الممددة واقتناصها لإثارة خاطرة تتعلق بشعور اللبنانيين لدى سماعهم أو رؤيتهم أو معاينتهم مواطنين سوريين، ومجرد مواطنين لا اكثر، يستعيدون معاناة المرارة والاحباط من عالم يخذلهم، وينأى بنفسه ايضا عنهم، تماما كما عانى اللبنانيون سحابة 15 عاما واكثر في الحرب.
فأي نأي بالنفس، واي منطق حيادي هذا امام طاحونة القتل وحمامات الدماء التي تضرب عشوائيا مدنا وقرى واحياء؟ ومن ذا يصدق ان لبنانيا عايش الحرب و” جايلها “، لا يرى نفسه تماما اليوم في هذه النسخة السورية الدامية المستعادة؟ وهل نسي اللبنانيون ان عدادات الضحايا والقتلى اشتغلت سنوات على الاحصاءات اليومية التي اختصرت طوال 15 عاما القضية اللبنانية في بال العالم وامام ناظريه، وهو الساكت عن المأساة؟
ترك العالم لبنان 15 عاما يعتمل بدمائه لمنع تمدد شظايا جمره الى المحيط تماما كما سيفعل مع السوريين. ولنترك الحسابات “الاستراتيجية” جانبا، فما يعنينا هو المواطن السوري فقط. سيجد هذا المواطن نفسه أمام أشد الخيبات اطلاقا حين يكتشف ان عدادات الضحايا والقتلى والشهداء هي مأساته وحده، وان العالم يتكيف مع الارقام المئوية في يوميات طاحونة القتل الفتاكة. معنى ذلك ان الكثير من القواعد البسيطة ينسحب على السياسات الكبرى. فلا حرق لجمرة الا في موضعها، خصوصا متى تحالف الصمت مع المصالح “الحيوية”.
ومع ذلك فأي نأي بالنفس سيبقى بعد المذبحة المتدحرجة؟ واي معنى لكل الاستخفاف السياسي الذي تجود به قوى سياسية على الناس في اسطورة تحييد اللبنانيين عن الازمة السورية فيما نصف هذه القوى منحاز الى جهة ونصفها الآخر منحاز الى جهة اخرى؟
أقله يستحيل النأي بالنفس عن معاناة سوري تستحضر معاناة الشقيق الاقرب، وبالآلة المتقادمة نفسها!
فحين تورطت آلة النظام السوري في الحرب اللبنانية علنا وجهارا نأى العالم آنذاك بنفسه الى ان حظيت سوريا بموقع الوصاية المشرعة دوليا. وحتما لا يواجه السوريون اليوم خطر وصاية مماثلة، ولا تورط نظام لبناني مماثل. لكن صمت قوى لبنانية رسمية أو سياسية أو مدنية، عن طاحونة القتل وآلته يغدو ابشع من ان يبرر بمنطق حيادي، وأسوأ من ان يحتمي بأي موجبات. وليس ابشع واسوأ من الاثنين سوى تصدير صورة لبنان يقتدي بمعايير كان سبّاقا في دفع اكلافها.
النهار