ناثان لين في «صناعة الإسلاموفوبيا»: «صفقات القرن» صعبة التحقيق مع انتشار العداء للإسلام في الأنظمة الغربية/ سمير ناصيف
يتساءل كثيرون من اختصاصيي العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي وبلدان الشرق الأوسط حول إذا ما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأعوانه وإدارة حكمه سيستطيعون تمرير ما يسمى «صفقة القرن» بين إسرائيل، من جهة، والقيادة الفلسطينية والقيادات العربية من جهة أخرى، أو أي صفقات مشابهة أخرى.
هذا السؤال يطرح نفسه بشكل بارز بعد التغييرات الأخيرة في إدارة الرئيس ترامب والإطاحة بوزير خارجيته ريكس تيلرسون وبمسؤولين آخرين ربما كانوا سيتعاملون مع القيادات الفلسطينية والعربية الإسلامية بشكل أفضل من غيرهم.
ناثان لين، كاتب بارز متخصص في علاقة أمريكا والدول الغربية بالإسلام والدول الإسلامية والعربية، وقد أعاد مؤخراً طباعة كتاب صدر له سابقاً بعنوان «صناعة الإسلاموفوبيا» تطرّق في قالبه الجديد إلى تأثير اللوبي المعادي للإسلام والحركات الإسلامية على قرارات القيادة الأمريكية الجديدة. ولعل هذا الكتاب سيوضح صعوبة فرض صفقة القرن أو صفقات الأمر الواقع عموماً على شعوب المنطقة العربية ـ الإسلامية، وربما الحاجة إلى إعادة النظر في مضمونها وفي وسيلة تطبيقها.
يقول لين في القالب الجديد لكتابه الصادر في أواخر العام الماضي ان ترامب يحيط نفسه بمعاونين ومستشارين من ذوي التوجه السلبي نحو الإسلام والمسلمين ومن معتنقي سياسات المحافظين الجدد الذين تعزز دورهم في إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الأبن. وهؤلاء ساهموا في دفع ترامب إلى اتخاذ قرارات بمنع مواطني بعض الدول العربية والإسلامية من السفر إلى أمريكا بحجة التحفظ على دخول المهاجرين الذين قد يقومون بنشاطات أمنية خطيرة وقد يؤثرون سلباً على الاقتصاد القومي الأمريكي. كما ساهم هؤلاء المستشارين، حسب مؤلف الكتاب، في إطلاق موجة من العنصرية ضد المسلمين والعرب في أمريكا والغرب كانت قد بدأت في الانحسار خلال فترتي رئاسة الرئيس باراك أوباما. وبالتالي، فإن قرارات إدارة ترامب بشأن فلسطين ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس قد يراها المسلمون عموما وفي أمريكا والغرب استمرارا لهذا النهج المنحاز الذي نجحت بعض الشخصيات المحيطة بترامب في نشره وإدراجه في السياسات الخارجية الأمريكية.
ويشير المؤلف إلى ان البيت الأبيض بقيادة دونالد ترامب امتلأ منذ بدء عهد الرئيس الجديد في مطلع عام 2017 بالمستشارين المتحفظين وحتى المنحازين سلباً ضد العرب والمسلمين (ص 192). وفي الصفحة ذاتها (192) يقول المؤلف انه حتى وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو، الذي انتقل من منصب مدير «وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية» (CIA) إلى مركزه الحالي، تأثر قبل احتلاله هذين المنصبين بأحد أرباب المحافظين الجدد والمروجين للتحفظ والسلبية ضد الإسلام والعرب واسمه فرانك غافني. وهو الذي أدار «مركز السياسة الأمنية الأمريكي في واشنطن» وعمل في إدارة الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان، وأشرف على محطة بث إذاعية أمريكية ظهر بومبيو فيها أكثر من 24 مرة منذ عام 2013.
فرانك غافني هو سياسي مقرب من الجناح المتشدد في الحزب الجمهوري الأمريكي (حسب المؤلف) يعتبر ان الإسلام والتنظيمات الإسلامية يهددان أمريكا بالطريقة نفسها التي هددت الشيوعية من خلالها أمريكا في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وحتى سقوط الاتحاد السوفييتي. كما ان غافني ساهم في دعم زيارة السياسي الهولندي العنصري ضد العرب والمسلمين غيرت فيلدرز إلى أمريكا وعرضه وترويجه لفيلم بعنوان «فتنة» يظهر وحشية المسلمين والعرب. وقد أثر هذا الفيلم على دوافع مرتكب عملية إجرامية بشعة هو العنصري اندريس برايفيك ضد مجموعة من الطلاب في بلده النرويج وقتل عددا كبيرا منهم بحجة ليبراليتهم. (كما ذكر برايفيك في مذكراته). وعلق غافني على هذه الجريمة التي ارتكبت في عام 2011 قائلا ان برايفيك ارتكبها نتيجة لسخطه إزاء انتشار الأفكار الإسلامية والأيديولوجيات النابعة منها في بلده، كما يذكر المؤلف ان غيرت فيلدرز مُنع من زيارة بريطانيا سعياً لبث أفكاره العنصرية ولكن الأحزاب القومية البريطانية اعترضت على هذا المنع.
ويوضح لين، ان بومبيو لم يكن السياسي الوحيد في الحلقة الداعمة لترامب في حملته الرئاسية المتأثر بمواقف غافني ومؤسسته في واشنطن التي تسعى لإقناع أعضاء في الكونغرس الأمريكي بخطورة الإسلام والمسلمين على أمريكا. في الصفحة (235) يذكر المؤلف ان الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون ندد بالدور الذي لعبه غافني في محاولة مساعدة غيرت فيلدرز على عرض فيلمه أمام نافذين من أعضاء الكونغرس الأمريكي، ورأى بان كي مون ان ذلك يساهم في تبرير الدوافع لمرتكبي المجازر ضد المسلمين في أمريكا والعالم وفي تمرير السياسات المنافية لقرارات وشرائع الأمم المتحدة.
ويدعو المؤلف قادة أمريكا ودول العالم الغربي إلى اعتماد سياسات مناهضة لـ«صناعة الإسلاموفوبيا» ليس فقط لأسباب إنسانية تتوافق مع الشرائع الدولية لحقوق الإنسان، بل من أجل حماية مصالح أمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي التي تتأثر سلباً إذا أدرجت الإسلاموفوبيا في السياسة الخارجية لبلدانهم. كما يدعو دول المنطقة العربية والإسلامية والتنظيمات الإسلامية التوجه إلى ضبط الوحشيات التي ترتكب ضد السكان المدنيين والنساء والأطفال بحجة الدفاع عن الإسلام والمسلمين فيما الدوافع في أكثر الأحيان سياسية واقتصادية. ويقول ان «صناعة الإسلاموفوبيا» تمولها وتدعمها منظمات ويحيط بها نافذون أغنياء في أمريكا والغرب والعالم يكرهون المسلمين والأقليات الدينية والأثنية التي تعيش في أمريكا والعالم الغربي، وينفذون سياسات ستؤدي الانقسام بين البشر والحروب المدمرة (ص 249 ـ 250). وعرابو هذه الصناعة يتصدون لأي برنامج تلفزيوني أو تحقيق صحافي أو نشاط أكاديمي يظهر العرب والمسلمين على أنهم بشر عاديون شأنهم شأن سكان أمريكا وأوروبا الآخرين مما يعارض سياسات الانحياز ضدهم (ص 99 ـ 101) وهؤلاء يدّعون ان الخطر على أمريكا والغرب لا يأتي من الإسلام الراديكالي فحسب، بل من الإسلام عموما، ومنهم مَنْ ادعى أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مسلم تذرّع انه ينتمي إلى المسيحية فيما كان يعتنق الإسلام الذي اعتنقه والده.
ويشير الكتاب إلى دور امرأة تدعّي أنها مسيحية من جنوب لبنان واسمها بريجيت غابرييل وقد ساهمت هذه الامرأة في الترويج للكره ضد المسلمين عبر ادعائها ان أحزابا لبنانية مسلمة التوجه نفذت مجازر ضد المسيحيين في لبنان في سبعينيات القرن الماضي في وقت لم تكن هذه الأحزاب قد أنشئت. وتبين انها كانت تعمل في إذاعة أنشأها القس الأمريكي المسيحي المتصهين بات روبرتسون، في جنوب لبنان خلال الاحتلال الإسرائيلي لهذه المنطقة في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وأنها هاجرت بعد ذلك إلى إسرائيل ثم إلى أمريكا.
واللافت ان المجموعات المؤيدة للمحافظين الجدد في أمريكا عاملت غابرييل معاملة خاصة في أمريكا ما سهل لها التعاطي المباشر مع الحلقة المحيطة بدونالد ترامب خلال حملته الانتخابية الرئاسية وبعد انتخابه رئيساً، حيث استقبلت في الكونغرس الأمريكي عام 2016 من قبل هذه المجموعات، وكانت من الشخصيات الأولى التي استقبلها أحد مساعدي ترامب (مساعده الخاص بول تيلر) في البيت الأبيض في مطلع عام 2017 (ص 139) علما ان غاربييل أيدت الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان حتى عام الألفين.
ومما يذكره المؤلف ان فرانك غافني الذي أثر عبر مؤسسته على بعض المحيطين بالرئيس الأمريكي قام بالدور نفسه إزاء ترامب نفسه خلال حملته الانتخابية الرئاسية حيث استخدم ترامب في هذه الحملة سياساته المنددة بالمهاجرين إلى أمريكا للمرة الأولى في عام 2015 وتحت تأثير غافني (ص 190) وبالتالي، انضم فكرياً إلى قادة آخرين في حملته وفي إدارته (بعضهم أقيل أو استقال) كمايك فلين وستيف بانون والذين لعبوا دورا في دفع الرئيس إلى إصدار التشريعات ضد سفر وهجرة المسلمين من بعض دول الشرق الأوسط وآسيا إلى أمريكا (ص 194).
وهذا القرار، حسب المؤلف، اتخذ برغم معارضته وتحفظ مسؤولين كبار في «مكتب التحقيق الفدرالي» (FBI) وبينهم مديره السابق جيمس كومي ومديره الحالي (حتى الساعة) روبرت مولر، بحيث رأى كومي ومولر ان المسلمين في أمريكا والمنظمات الإسلامية في البلد تتعاون بالفعل مع الإدارة الأمريكية ضد الإرهاب ومن الضروري عدم دفعها نحو تقليص هذا التعاون المفيد أمنياً (ص 194). ولعل ذلك كان أحد الأمور التي وترت علاقة ترامب بالـ(FBI).
ويشير لين إلى ان وزير العدل الأمريكي الحالي جيف سيشونز (المدعي العام) المقرب جداً من ترامب يميل على المجموعة المتحفظة ضد العرب والمسلمين والتي ضمت مستشاري ترامب ستيف ميلر وستيف بانون وسيشونز. وذكرت الصحف في الأيام الأخيرة ان سيشونز أقال مؤخرا نائب مدير «مكتب التحقيق الفدرالي» الأمريكي قبل أيام من انتهاء ولايته لمعاقبته على مواقفه غير المتعاونة مع الإدارة.
ويكرس المؤلف الفصل الثامن من كتابه لانتشار الإسلاموفوبيا في أوروبا ويشير إلى صناعة هذا «الوباء» لدى بعض أعضاء «حزب الاستقلال البريطاني» و«الحزب القومي البريطاني» الذين يؤيدون نشر الخوف المرضي «البارانويا» ضد المهاجرين إلى أوروبا من آسيا وافريقيا مما يؤدي إلى نشوء عنصرية ضد الأجانب عموما والعرب والمسلمين بشكل خاص (ص 239 ـ 240).
وينبه لين إلى إمكان حدوث المزيد من التعديات وعمليات الإجرام ضد المسلمين والعرب في أوروبا وبريطانيا ومؤيديهم في ضوء تصاعد المشاعر السلبية والعنصرية ضدهم التي تبثها «صناعة الإسلاموفوبيا» التي تعتنقها جميع الأحزاب العنصرية الأوروبية وتؤثر من خلالها (خصوصا) على الأجيال الجديدة الشابة.
Nathan Lean: The Islamophobia Industry
Pluto Press, London 2017
Pages 304
القدس العربي