نازحو طرطوس.. أمان مرهون بالإشاعة/ صادق عبد الرحمن
توافد عشرات آلاف النازحين من أنحاء سوريا إلى محافظة طرطوس الهادئة نسبياً والخاضعة كلياً لسيطرة النظام السوري. أغلب النازحين جاؤوا من محافظتي حلب وحمص، فضلاً عن نازحين بنسبة أقل من محافظتي حماة وإدلب وغيرهما. وإذا كان ليس ثمة إحصائيات دقيقة لأعدادهم، إلا أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أعلنت عن وصول أعدادهم إلى 255360 شخصاً في آخر إحصاء نشرته في أوائل عام 2013، ويبدو أن أعدادهم تجاوزت اليوم النصف مليون حسب تقديرات ناشطين وجمعيات أهلية مختلفة.
تقيم أعداد كبيرة من النازحين في مراكز إيواء تم افتتاحها بقرارات من السلطات الرسمية، كما تقيم أعداد أخرى في شاليهات ودكاكين وبيوت مستأجرة، غالباً ما يقطنها أكثر من أسرة. على الرغم من الاصطفاف الطائفي الحاد وموالاة أغلب سكان طرطوس للنظام السوري، فإنه لم تحدث مشكلات تذكر في المدينة بين النازحين والسكان، وثمة عدد لا بأس به من الجمعيات والجهات التي تعمل على إغاثتهم بموافقةٍ أو غض طرفٍ من الجهات الرسمية، وبالتعاون مع الهلال الأحمر والأمم المتحدة.
ليست أوضاع النازحين سيئة في طرطوس بوجه عام، إلا أن هناك من أبناء المدينة وريفها من لا يخفي تخوفه من هؤلاء لنازحين. كثيرٌ ما يقال إن هؤلاء هم عائلات وأقرباء “الإرهابيين” الذين يقاتلون الجيش السوري في الداخل، وإنه من الخطير استقبالهم في المدينة، لكن لم يتطور الأمر إلى مطالبات علنية بطردهم على الإطلاق، بل اقتصر على عدم السماح لهم بالإقامة في بعض الأرياف العلوية شديدة الانغلاق.
صدر قرار عن محافظ طرطوس في أواخر العام الماضي يقضي بتحويل مركز تجاري غير مكتمل البناء في حي الغدير الملاصق لفرع أمن الدولة في المدينة إلى مركز إيواء سيخصص لإقامة 2500 نازح، إلا أن أهالي الحي رفضوا ذلك واعترضوا عليه لدى الجهات المعنية، وهو ما أفضى إلى إيقاف تنفيذ القرار في النهاية.
لكن ما كان ملفتاً هو افتتاح صفحة على “فايسبوك” تحمل اسم “معاً لطرد النازحين من الساحل السوري” بذريعة أنهم يشكلون خطراً على التوزان الديموغرافي في الساحل السوري، كما أنهم يضمون في صفوفهم خلايا نائمة ستساعد “الجماعات المسلحة” في أي أعمال حربية يمكن أن تشنها مستقبلاً في الساحل السوري.
لاحقاً تم إغلاق هذه الصفحة، إلا أن تفاعلات القضية ما تزال مستمرة في المدينة، إذ بدأت حملة شائعات ممنهجة تتحدث عن أعمال حفر تحت الأرض يقوم بها النازحون لتجميع السلاح ونسف المقرات الحكومية والأمنية، على غرار عملية نسف إدارة المركبات في حرستا في العام الماضي.
الجهات الرسمية لم تكن طرفاً واضحاً في هذه الشائعات حتى التاسع من الشهر الحالي، حيث تم فرض طوقٍ أمني على منطقة في حي الخندق الصغير الملاصق لحي البرانية، وهي أحياء شهدت حراكاً سلمياً مناهضاً للنظام في العام الأول من عمر الثورة وتقطنها غالبية سنيةٌ كما أنها تؤوي أعداداً كبيرة من النازحين، وقامت القوى الأمنية باقتحام شقة سكنية هناك، ولاحقاً بُثت صور على وسائل الإعلام السوري لأسلحة وذخائر مختلفة قيل إنها كانت مخزنة في هذه الشقة.
ترافق ذلك مع حملة واسعة غير رسمية تُحمِّل النازحين المسؤولية، وتتحدث عن تعاون الأهالي في كشف هذا “الوكر الإرهابي”، وبصرف النظر عن حقيقة ما جرى هناك، فإن تجميع سلاح في تلك المنطقة المراقبة أمنياً بشكل دائم يبدو عملاً شبه مستحيل، فضلاً عن أن ثمة تعمداً واضحاً للاستثمار في أجواء الكراهية التي يبثها هذا الخبر، الذي جاء متناغماً مع الشائعات السابقة في المدينة.
من المستحيل على النازحين الإتيان بأي حراكٍ مناهض للنظام في المدينة في الظروف الحالية سواء كان سلمياً أم مسلحاً، إلا أن مجمل أجواء الرعب التي تتم إشاعتها توحي بأن ثمة حملة ممنهجة من قبل دوائر في النظام السوري تمهيداً لفعل ما. هذا التمهيد ينتهجه النظام السوري قبل قيامه بحملات عسكرية أو أمنية مبيتة، أو تهيئةً الأجواء لتبرير مواقف سياسية ذات فائدة لقضية بقائه في السلطة.
ربما يكون الأمر كله مندرجاً في سياق الاستمرار في تخويف العلويين الذين بات بعضهم ناقماً على النظام السوري بسبب ارتفاع أعداد الضحايا في المعارك الدائرة مع قوات المعارضة، وخاصة بعد أن تم نقل المئات من عناصر الدفاع الوطني واللجان الشعبية من أبناء طرطوس إلى دمشق تمهيداً لعملية عسكرية كبيرة في الغوطة الشرقية كما يقال همساً بين أبناء المدينة.
ولكن يبقى أمر وحيد يثير القلق، أن الهدوء الذي ينعم به النازحون في المدينة يبدو قابلاً للانهيار على خلفية أول حادث أمني كبير في المدينة، أو في أي لحظة يعتقد فيها طرف من أطراف الصراع بضرورة نقل المواجهات إلى طرطوس، وهو ما قد يلجأ إليه النظام السوري نفسه في ظرف سياسي أو ميداني ما.
المدن