نجاح الثورة … نجاح المعارضة
كامل عباس()
كتب الأستاذ يوسف بزي مقالاً تحت عنوان:” نجاح الثورة ….. فشل المعارضة” (المستقبل ـ نوافذ 8/7/2012) افتتحه كما يلي:” في بلدة حاس السورية حمل أهلها لافتة تقول: أيها العالم لسنا معارضة، نحن شعب يريد الحرية والكرامة”، واختتمه بالقول:” بهذا المعنى، في سوريا ليس مصير الثورة مناطا بمصير المعارضة، بل ربما يكون فشل هذه الأخيرة معبرا لولادة الجسم التمثيلي السياسي للثورة”.
ومع احترامي وتقديري للكاتب وما كتبه عن اجتماعات لا تحصى للمعارضة السورية في اسطنبول وباريس والقاهرة وتونس، وعجزها في تلك الاجتماعات عن ان تصل الى وحدة فيما بينها ترتقي فيها الى مستوى نضالات شعبها، إلا أنني أرى أن المقال يحمل من لغة العواطف أكثر مما يحمل من لغة العقل، وبكل الأحوال السجال مفيد جدا للثورة السورية حول هذا الموضوع، ولذلك كانت هذه الكلمات:
بداية كان من المؤمل أن نصل الى القرن الواحد والعشرين وقد راكمت حضارة الانسان ثقافة تجعل تطور المجتمعات يقوم على الاصلاح بدلا من الثورة (الثورة هدم وبناء، والإصلاح بناء على البناء) ولكن وبكل أسف ومرارة نقول إن ربيعنا العربي بدأ بثورات لا تقل دموية وهدما عن الثورات القديمة، تتحمل مسؤوليتها السلطات العربية المتخلفة والمستبدة بسبب سلوكها الأرعن قبل وأثناء الثورة. وإذا كانت الثورات العربية تشبه الثورات السابقة في ما تقوم به من هدم وحرق لكثير من المؤسسات بسبب غضب الجماهير، فإنها لا تخلو من مسحة العصر كلياً، فهي أقرب الى الاصلاح في مطالبها وشعاراتها. ولذا، يصح وصفها حقا بأنها ثورية التوجه، اصلاحية الخطوات.
والثورة، اية ثورة، يشترك في تفجيرها عنصران: عنصر عفوي هو الجماهير، التي تعمل وفق عواطف ومشاعر وغرائز اكثر مما تعمل وفق العقل. وعنصر سياسي، هو القوى السياسية التي نطلق عليها اسم المعارضة.
تحدث الثورة بشكل عام نتيجة أزمة حادة في البلد المعني، تؤدي الى انفجار اجتماعي تنزل فيه الجماهير الى الشارع لتواجه قمع النظام وبطشه، بما في ذلك الرصاص الحي، كما هو حاصل في الثورة السورية الآن، بصدورها العارية، وأثناء ذلك تقوم الحركة السياسية بتعبئة وتنظيم وقيادة الجماهير المنتفضة نحو الهدف المنشود وهو اسقاط السلطة القائمة.
ولكن يحصل في التاريخ ألا يكون مسار الحركتين السياسية والعفوية متوازياً ومتناغماً لأسباب يجب دراستها في كل حالة على حدة. قد تخطئ الحركة السياسية في مراهنتها على الشارع وتدعو الى انتفاضة لا يتم التجاوب معها. وقد تسبق الحركة العفوية الحركة السياسية في النزول الى الشارع، كما حصل في الثورة السورية، ما يضطر الحركة السياسية للهاث وراءها. وقد تتناغم الحركتان جنباً الى جنب كما حصل في الثورة الروسية.
تكاد تكون الثورة السورية من أعرق الثورات التي عرفها التاريخ. جماهير نزلت الى الشارع تطالب بالحرية والكرامة، وقد عجزت آلة القتل، رغم كل الدعم المقدم لها، عن اعادتها الى بيت الطاعة، الملفت للانتباه ان الثورة السورية اندلعت في منطقة هي عصب الطاقة، والشرق والغرب(في هذه اللحظة التاريخية) متمثلا بمجلس الأمن لا يريد لثورة بهذا العمق أن تنجح لتطيح بمصالحه، ولذلك، اعطي النظام المهلة تلو الأخرى للقضاء على الثورة، وصلت الوقاحة ببعض أعضاء الفريق الدولي ان يقولوا للثوار:” لا تخرجوا غدا في مظاهرات حتى لا يطلقوا عليكم الرصاص” وبسبب طول المدة حتى الآن أفرزت الثورة معارضة جديدة متمثلة بالتنسيقيات، تعمل في ظروف يصعب تصورها. فهنا لا يوجد سجون بل تحطيم عظام وسحق جماجم بالدبابات.
لا يبدو في الأفق المنظور أن المجتمع الدولي يريد أن يضع حداً لمعاناة الشعب السوري. والمشكلة ستكون “ألعن وأدق رقبة” بعد سقوط النظام، فالمجتمع الدولي يريد أن تقوم في سورية دولة، مثل بعض دول الجوار، قائمة على المحاصصة الطائفية. ولمجابهة ذلك لا بد من تلاحم المعارضة السورية القديمة والحديثة من اجل الوصول الى دولة تعددية ديموقراطية لها قرارها الوطني المستقل كما كانت في الخمسينات.
بهذا المعنى يبدو القول بان” فشل المعارضة قد يعني فرصة لولادة الجسم التمثيلي السياسي للثورة” وليدة قراءة مبنية على تعثر المعارضة السياسية لا تأخذ بعين الاعتبار تكامل طرفي الثورة: الجماهير والقوى السياسية ناهيك عن تبعات القمع الوحشي الذي تعرض له المعارضون والثوار ما يجعلها قراءة متسرعة الى حد ما وضارة وغير نافعة للثورة السورية.
() كاتب سوري.
المستقبل