صفحات العالم

نحن السبايا/ امين قمورية

 

لا تضاهي صورة سبايا “بوكو حرام”، وهن يتحلقن حول جلادهن الملتحي والمتلحف بالدين وهو يفتي بهن محللاً الاستباحة الجنسية شرعاً ونقاوة العودة الى العبودية الاولى، بشاعة سوى لقطات الفيديو التي تبث على مواقع التواصل الاجتماعي لقطع رؤوس الادميين كالخراف في سوريا، أو الانباء الواردة عن بقر بطون الحوامل وشي الاطفال احياء في العراق وجنوب السودان أو الجزائر سابقاً، باسم الشرائع السماوية أو استعادة حاكمية الله. مشاهد تعيد البشرية الى عصور متوحشة كنا اعتقدنا انها ولت. ولكن يثبت كل يوم انها من صميم حياتنا اليومية ولا تزال راسخة في مجتمعاتنا وديارنا رسوخ الجبال والصحارى التي يسري في مساربها الاحمر القاني لدماء المتقاتلين وتختزن في تربتها الاحقاد الدفينة. مشاهد يكتمل اطارها المهترىء بعفن فتاوى التخلف والعقلية الجاهلية والافكار المحنطة والصمت المريب او اللامبالي لأدعياء التقوى والاعتدال الذين ينصبون أنفسهم مرجعيات ومصلحين وادعياء حوار وتسامح بين الاديان. أطر صارت نظماً متكاملة وانماط حياة صار لها مريدوها والانصار ويحميها جيش أسود طلى نفسه بصبغة الجهاد، حتى صار للنكاح جهاده والمجاهدون والمجاهدات.

سبايا “بوكو حرام”، فصل من مشهد درامي يلف عالمنا من أقاصي افريقيا الى أقاصي أفغانستان مروراً بسيناء وسوريا والعراق، حتى صار الاقليم كله مجاهل وادغال، عبور حدوده بات مهمة مستحيلة بفعل حروب القبائل والعشائر وجنون المذابح ونيران الابادة العرقية وهول السيارات المفخخة.

التعاطف المشبوه والمشكوك في نجاعته من اميركا وبريطانيا وفرنسا والصين مع التلميذات النيجيريات المخطوفات لن يجدي نفعاً. لان ليس بالامن وطائرات الاستطلاع وحدهما تسترد كرامة هؤلاء الاسيرات وتتوقف هذه الاستباحات الانسانية الفظيعة، ذلك ان هذه الدول مجتمعة تتحمل قسطاً كبيراً من المأساة التي حلت بافريقيا وجزء كبير من آسيا بعدما جعلت شعوبها عبيداً وخيراتها مورد ثراء للمستعمر الابيض، وهي اليوم باندفاعها لا تنشد الحرية للفتيات الصغيرات بقدر ما تبحث عن مواقع النفوذ في السباق المحموم بينها على المصالح في عصر العولمة المتوحشة .

هذه الشعوب نفسها تواجه اليوم استعماراً جديداً أشد هولاً من سابقه، هو احتلال الجهل والتعصب الذي ما برح يتوسع ويزداد انتشاراً وسطوة ويبطش بكل انماط العيش الانسانية والحديثة. والترياق لن يأتي من الخارج بل من الداخل بعدما صارت امراضها الداخلية اسلحة دمار شامل محلي. فقبل ان نصير جميعاً سبايا يبيعنا ابو بكر شيكو وامثاله في اسواق النخاسة بأبخس الاثمان، لا بد من مواجهة هذه الآفة وحاملها وناقلها والمنظّر لها والمدافع عنها والصامت عليها، ايا يكن الثمن.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى