حازم نهارصفحات سورية

نداء روما … نداء في الصحراء

حازم نهار

 

لعل أول ما يمكن قوله عن “نداء روما” أنه أشبه بنداء من جمعية حقوق إنسان في أوربا أو أية منطقة أخرى في العالم، إلى الشعب السوري، وليس من معارضة سياسية سورية تعرف “البير وغطاه” كما يقال. فاللغة شبه الحيادية في هذا النداء – رغم تأكيد الموقعين على غير ذلك بقولهم “لسنا محايدين”- والتعبيرات الصريحة أو الضمنية أحياناً في عبارات هذا النداء تعني أن الموقعين عليه يقفون في الوسط ما بين الثورة والنظام السوري، مع علمي أن معظمهم ليسوا كذلك. هناك دلائل عديدة على هذه الحيادية، كعبارة “من أجل وقف دوامة العنف”، مع أن الموقعين يعلمون أن النظام هو صاحب النصيب الأكبر في هذا العنف، وكذلك العبارة القائلة “نقف بحزم ضد الممارسات الطائفية والتمييزية من أي طرف جاءت”، فهي عبارة ناقصة ما لم تتبع بالإشارة إلى الدور الأساسي للنظام في إعلامه وممارساته في إذكاء الطائفية والفتن بين أبناء الشعب السوري الواحد. وإذا كانت هذه الحيادية عند بعض الموقعين على النداء مفهومة من قبلي، فإنها تصبح عصية على الفهم عند بقية الأسماء الأخرى مع معرفتي العميقة بها، خاصة الشخصيات الموقعة من قبل المنبر الديمقراطي، وكان الأفضل ألا يشيروا في صدر البيان لانتماءاتهم ومواقعهم السياسية، فالنداء الموقع – كما أرى – لا يعبر عن الكتل والتيارات السياسية التي ينتمي إليها الموقعون، كما لا يعبر حقيقة عن رؤى أغلب الموقعين. لقد أصبحت عبارة “الحل الأمني العسكري” ممجوجة ومثيرة للاشمئزاز، لأن التوصيف الدقيق لما قام به النظام طوال عام ونصف هو حرب كاملة الأركان ضد شعبه. فقد كان استخدام هذه العبارة مفسراً في بداية الثورة، أما تكرارها اليوم فيوحي بأن الموقعين يعتقدون أن النظام السوري يمتلك الإرادة أو القدرة على إطلاق حل سياسي، وهو الذي كان أمامه عام ونصف ولم يتقدم خطوة واحدة على هذا الطريق. كلنا نعلم أن العسكرة كانت اختياراً إجبارياً لدى قسم من السوريين بعد إغلاق النظام لكل المنافذ السياسية ومنع أية تعابير سلمية وممارسة أفظع الانتهاكات لحقوق الإنسان. هذا ليس تبريراً للعسكرة بل هو تفسير لها، وهذا التفسير يدفع نحو ضرورة عدم المساواة بين الطرفين، أي النظام والجيش الحر، بأي حال من الأحوال، وبالتالي يكون الطلب المنطقي هو الضغط على النظام بكافة السبل لسحب قواته ووقف انتهاكاته، وليس مناداة المعارضين الذين حملوا السلاح دفاعاً عن النفس للانخراط في عملية سياسية غير واضحة المعالم بعد، وفي ظل استمرار النظام بالقتل والاعتقال وقصف المدن وتهجير البشر. صحيح كما يقول النداء أننا نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مخرج سياسي للأوضاع في سورية، لكن الخلاف هو حول طبيعة هذا الحل السياسي الذي لم يرد أي توصيف له في طول النداء وعرضه، وعلى الأقل كان يمكن ذكر ما توافقت عليه المعارضة في هذا الشأن، خاصة ما يتعلق بالمرحلة الانتقالية واشتراطاتها المعروفة. وما السبيل إلى هذا الحل السياسي؟ هل هو “مفاوضات شاملة لا تستثني أحداً، تستكمل بمصالحة وطنية أصيلة تستند إلى قواعد العدالة والإنصاف” كما جاء في النداء؟ رغم أن الموقعين على البيان ينتمون لمجموعات سياسية اشترطت جميعها استبعاد كل من تلطخت أيديهم بالدماء أو تلوثت بالفساد من أي عملية تفاوض، وجميعها أعلنت أن تنحية رئيس الجمهورية خطوة أولى أساسية في المرحلة الانتقالية. أما الأمر الأخير غير المفهوم فهو المطالبة باعتبار الأمم المتحدة الطرف الدولي الوحيد المسؤول عن تنسيق جهود إغاثة السوريين. فهذا الطلب خيالي، والموقعون يعلمون أن النظام يمنع كل ما له علاقة بالمنظمات الدولية والعربية، فهل المطلوب التوقف عن الإغاثة التي تقوم بها بعض الدول العربية والسوريون في الخارج– رغم السلبيات التي تكتنف هذا العمل الإغاثي ونعرفها جميعاً – في الوقت الذي يحتاج فيه النازحون واللاجئون والمعتقلون إلى كل عون؟. نداء روما أشبه بنداء في الصحراء، ويعلم جميع المشاركين في الاجتماع أن أحداً لن يكترث بنداء حيادي، ولا يحتوي أي بند عملي ممكن التطبيق في هذه اللحظة السياسية، وليته بقي اجتماعاً سرياً – كما جاء في البيان – ولم يخرج إلى العلن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى