نداء مأساوي و17 شجاعاً
جهاد الزين
“نداء روما” الذي اصدرته مجموعة من شخصيات المعارضة السورية و بعضها ذو تاريخ طويل في العمل السياسي المعارض هو بيان يستحق أن يكون في صدر الصفحة الأولى من أي صحيفة كبيرة.
منذ فترة غير قصيرة قياسا على السنة ونصف السنة من عمر انطلاق الثورة السورية كنتُ أعتقد ان هذا النوع من الكلام حول سوريا قد فات أوانه… وإذا بهؤلاء الناشطين السبعة عشر (بينهم ثلاث نساء) يطلّون به علينا من روما عبر لقاء نظّمته “جماعة سانتا إجيديو” ويحمل كلاما مختلفا قياسا بالكلام الرائج.
فبين عنف النظام، العنف الذي كان متوحشا وأصبح أكثر، وبين موجة الصمت الديماغوجي (نعم بإمكان الصمت أن يكون ديماغوجياً) الذي عمّ اوساطاً في معارضة الخارج في اسطنبول وباريس ولندن حيال عسكرة الثورة وتحوّله الى غض نظر عن تغيير طبيعة الثورة السورية من ثورة سلمية الى اعتراض عسكري… يأتي كلام هؤلاء المثقفين السوريين ليكسر بشجاعة هذه الموجة. فيطالب بإلقاء السلاح والعودة الى لغة الحوار دون أن يغيب عنه تحميلُ الحلِّ الأمنيِّ الذي اعتمده النظام المسؤوليةَ الأساسيةَ عن تدهور الوضع في سوريا.
نفهم ونعرف أنه في أزمنة التحول يكثر عددُ حديثي النعمة السياسية في بيئة لم تمارس السياسة منذ خمسين عاما بفعل استئصالية نهج النظام وهي الآن تستمتع بالانخراط في عمل تغييري خارجي مع كل ما يرافق ذلك من مظاهر مراهقة وحماس ومصالح جديدة خصوصا عندما تكون دولٌ كبيرةٌ وغنيةٌ تدير هذه العملية.
كل هذا مفهومٌ وحتى متوقعٌ وإن كان لا ينطبق سوى على البعض القليل. ففي كل حركة جديدةٍ، تاريخيةِ الديناميكيةِ التغييريةِ، هناك هذه المظاهر. وقد خبِرنا هذا المزيج من المراهقة وحداثة النعمة السياسية قبل 2003 بل عشيَّتها مع بعض المعارضات العراقية التي كانت آتية من استئصال نظامٍ أكثر عنفا وقمعا من النظام السوري.
لهذا تعرّض موقعو “نداء روما” فرادى او جماعة خلال هذا العام ونصف العام على اندلاع الثورة إلى حملات تخوين وضغط من الجزء الناطق من هذه “الموجة” لأنهم أصروا على ضرورة الحفاظ على الطابع السلمي للثورة وحذّروا مرارا (وحذّرنا معهم) من خطر تحوّلِها الى حرب أهلية، بل الى حدٍ ما ورغم يأسهم من قابلية النظام للتغيير، مُنِعوا من اختبار هذا الحوار… ونحن نضيف هنا أن هذه الحرب صارت بدورها أيضا تدميرا شاملا لسوريا يجب أن نملك الشجاعة الأخلاقية الكاملة للقول أنه كان ينبغي رفع الصوت أعلى خصوصاً من المثقفين العلمانيين ضد العسكرة كقرارٍ دولي والاستمرار في مواجهة النظام سلما أيا تكن التضحيات . مع العلم أنه ليس ثابتا أن ثمن المواجهات السلمية كان سيكون بهذه الفداحة البشرية التي أسفرت عنها العسكرة. ومع أنه، برأيي، فات الأوان على رمي السلاح وصار من السذاجة السياسية الإعتقاد بإمكانه، فإن الدعوة للحوار الوطني الذي لا يستثني أحدا كما قال “نداء روما” يشكل موقفاً شجاعاً من معارضين اختبر عديدون منهم السجون القاسية لسنوات.
قوة “نداء روما” ليست في قابلية بنوده للتطبيق وإنما في أنه يشكل صرخة مأساوية مختلفة في جو مطحون بين وحشية النظام وخبث المصالح الخارجية وعدم اكتراث بعض القلة لفداحة التدمير والمعاناة الداخلية. وبين هذه البنود إعلان الـ 17 معارضاً. انهم يرفضون أن يكون بلدهم مسرحا للصراعات الدولية والإقليمية.
وأتذكر تماما كيف كنا في أوائل الحرب الأهلية اللبنانية نتحدث، نحن بعض اليساريين، عن “الزمن العظيم الذي يعيشه لبنان” يومها… و”دوره الثوري في تحطيم السجن العربي الكبير”، فيما لم يبق منه حجرٌ على حجر خلال أشهر.
هذا النظام لم يعد قابلاً للعيش… لكن هل يمكن بعد إنقاذ سوريا، كياننا الرائع والجميل؟
النهار