صفحات سوريةفايز ساره

نداء من أجل سوريا


فايز سارة

تبدو ثورة السوريين، وكأنها آخذة في المراوحة بالمكان. إذ تواجه صعوبات جدية في إكمال مسيرتها نحو التغيير الشامل للنظام، وإقامة نظام ديمقراطي جديد يوفر العدالة والمساواة للمواطنين كافة دون تمييز من أي نوع، كما يجد النظام صعوبة كبيرة في إخضاع السوريين وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل انطلاق حركة الاحتجاج والمظاهرة في مارس (آذار) 2011، التي تحولت إلى ثورة عارمة.

السبب الرئيس للوضع السوري الحالي، هو توازن القوة بين النظام والثورة، وهو بين أسباب أدت إلى انتقال أزمة سوريا من أزمة داخلية إلى أزمة إقليمية ودولية، صار السوريون في ظلها، نظاما ومجتمعا ومعارضة، عرضة لتأثيرات الخارج الإقليمي والدولي، وصار وجودهم في الأزمة هو الأقل تأثيرا على مستقبل سوريا، رغم استمرار الحل الأمني العسكري من جانب النظام من جهة واستمرار عمليات التظاهر والاحتجاج من جهة أخرى، وقد زاد عليها دخول الجيش السوري الحر دائرة الفعل الداخلي في سياق إفشال سياسات وممارسات النظام وأجهزته.

وأدى مسار الحل الأمني العسكري وتصاعده إلى زيادة حجم الخسائر البشرية والمادية التي تصيب السوريين قتلا وجرحا واعتقالا ونزوحا، وتدميرا للممتلكات ومصادر عيش السكان، وساهم دخول «الجيش الحر» دائرة الهجمات، بعد ما حصل ويحصل في دمشق وحلب، في زيادة نتائج القتل والدمار في الواقع السوري. ولعل هذا التطور يمثل أحد العوامل الضاغطة على السوريين من أجل تصعيد النشاط السياسي من أجل حل الأزمة وتحقيق الانتقال من نظام الاستبداد والفساد والقتل إلى النظام الديمقراطي التعددي المنشود، وكان أحد تعبيرات التصعيد في النشاط السياسي، تزايد دعوات من جماعات سياسية ومدنية، ولا سيما الشبابية منها، إلى إعادة الاعتبار للنشاط السياسي والسلمي بأشكاله المختلفة من التظاهر إلى الاحتجاج وصولا إلى العصيان المدني.

وفي سياق هذه التوجهات، شاركت مجموعة نشطاء سياسيين سوريين في ندوة أقيمت الأسبوع الماضي بالعاصمة الإيطالية حول سوريا ومستقبل العمل السياسي فيها بدعوة من جمعية سانت اجيدو إحدى أهم الجمعيات غير الحكومية في أوروبا، وهي مهتمة بالسلام وحل النزاعات، وبمحصلة الأطروحات والنقاشات، التي تمت في الندوة، أصدر المشاركون ما سموه «نداء روما من أجل سوريا» الذي تضمن خلاصات رسمت مسار العمل السياسي بطابعه السلمي في مواجهة تحديات الحل الأمني العسكري الذي اختاره النظام في مواجهة الثورة، وما أدت إليه تداعياته من توسع لمظاهر وتجليات العنف والدمار الذي لحق بأشخاص سوريين وبممتلكاتهم وكيانهم السياسي ومستقبله.

وخلص المشاركون إلى تأكيدات، أولها أنهم عرفوا أنفسهم باعتبارهم مواطنين ينتمون إلى فصائل من المعارضة الناشطة داخل البلاد وخارجها، وأنهم جزء من الشعب السوري الذي يعاني قمع الديكتاتورية وفسادها، ويقفون بحزم ضد الممارسات الطائفية والتمييزية، ويريدون مستقبلا لسوريا، يحترم الحياة والكرامة البشرية في إطار العدالة. وهم يرون المستقبل عبر مسار سياسي سلمي، يمنعه استمرار الحل الأمني العسكري وتصاعد العنف بما يخلفه كلاهما من دمار عام.

وبسبب من تلك الأوضاع والتطورات، أكد المشاركون أنهم وإن كانوا يؤيدون حق المواطنين في الدفاع المشروع عن أنفسهم، فإنهم يأخذون على عاتقهم العمل من أجل وقف العنف، ودعم كل أشكال النضال السياسي السلمي والمقاومة المدنية بديلا للسلاح ورفضا للعنف اللذين يدفعان البلاد نحو الحرب الأهلية، ويعرضان وحدة الشعب والدولة والسيادة الوطنية للخطر.

ويجزم أصحاب النداء، بأن هناك حاجة إلى مخرج سياسي للأوضاع في سوريا باعتباره الطريقة الملائمة للدفاع أيضا عن قيم وأهداف من يضحون ويعرّضون حياتهم للخطر من أجل الحرية والكرامة، ويدعون جميع السوريين، وخاصة الشباب والمواطنين المنضوين في الجيش السوري الحر وكل من حمل السلاح، للمشاركة في عملية سياسية تؤدي إلى سوريا سلمية آمنة وديمقراطية.

وإزاء ما لاحظوه من تحول البلاد إلى ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، فقد أكدوا ضرورة سعي المجتمع الدولي لتحقيق توافق دولي يؤسس لمخرج سياسي من الأوضاع المأساوية الراهنة، يقوم على فرض فوري لوقف إطلاق النار، وسحب المظاهر المسلحة وإطلاق سراح المعتقلين والإغاثة العاجلة للمنكوبين وعودة المهجرين وصولا إلى مفاوضات شاملة، تستكمل بمصالحة وطنية أصيلة، تستند إلى قواعد العدالة والإنصاف.

في نداء ذلك النفر القليل من السوريين، ثمة محاولة جديدة، تنطلق للخروج من نفق الأزمة، تقوم على خيارات أساسها توسيع المشاركة الشعبية لتكريس خط سياسي سلمي على نحو ما بدأت الثورة في أولها، وخروجا من محنة الدم التي أصر النظام عليها منذ البداية وما زال مستمرا فيها، وسعيا إلى كسب دعم وتأييد المجتمع الدولي لهذا المسار، وقيامه بالضغط على النظام للاستجابة إلى مطالب الشعب في بناء سوريا ديمقراطية مدنية وتعددية، تعتمد أسس العهد الوطني المشترك الذي أقره بالإجماع مؤتمر المعارضة السورية الأخير بالقاهرة. ولا شك في أن القريب من الزمن يمكن أن يبين لنا القيمة الحقيقية لهذه المبادرة الساعية لإخراج سوريا من الأزمة بطريقة وربما بأدوات مختلفة عما سبقها.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى