نريد سورية حديقة أزهار
نارت اسماعيل
في عام 1971 تبنت الحكومة الكندية سياسة التعددية الثقافية والتي أصبحت قانونآ عام 1981.
يتضمن هذا القانون الاعتراف بالتراث الثقافي المتنوع في كندا، والعمل على حمايته، والمحافظة على كل اللغات الموجودة في كندا والتشجيع على استعمالها، وتشجيع الأقليات على ممارسة ثقافتهم والتمتع بها.
هذه السياسة موجودة في كل الدول الديموقراطية والتي تقدّر قيمة التنوع الثقافي، وتعتبره ئراءآ للبلد.
من أهم المهمات التي على الدولة السورية الوليدة أن تقوم بها بعد تغيير النظام الحالي، هي إعادة ترميم الحديقة السورية متعددة الألوان وإعادة زراعتها وسقايتها والاهتمام بها حتى يعود التنوع الصحي الجميل إليها.
كم كنت أتضايق عندما كنت طالبآ في الجامعة ويأتي أحد زملائي من البعثيين المنتفعين ويسألني أمام بقية الزملاء: لماذا أنتم الشركس لاتزوجون بناتكم لغير الشركس؟ لماذا أنتم متعصبون لبعضكم البعض؟
كيف يجيب الواحد على مثل هذه الأسئلة في بلد قمعي، الإنسان فيه متهم بوطنيته حتى يثبت براءته؟
هل المطلوب من أبناء الأقليات حتى يثبتوا ولاءهم لبلدهم، أن يذوبوا وينسوا جذورهم ولغة أجدادهم وفنونهم وعاداتهم وتقاليدهم؟
ألا يكفي للمواطن من الأقليات أن يحب بلده ويدافع عنه ويبذل كل جهده لخدمته مثل أي مواطن آخر حتى يعتبر مواطنآ صالحآ مقبولآ؟
كثير من الشركس في سوريا وحتى من الأكراد والآشوريين نسوا لغة أجدادهم، وجزء كبير من اللوم يقع على الأنظمة الحاكمة التي تنظر دائمآ بعين الريبة تجاه الأقليات ولا تشجعهم على استعمال لغتهم وتمنعهم من بناء مدارس يتعلم فيها أبناءهم لغتهم الأصلية جنبآ إلى جنب مع لغتهم العربية.
الدول القمعية تشجع النفاق والمنافقين، والمثال الصارخ في سوريا هو مجلس الشعب الذي أصبح أقرب لفرقة استعراضية للترفيه عن الرئيس، وكذلك فرق الساجدين على صور بشار الأسد.
النفاق يصبح مستفحلآ في البلد القمعي، ويعمي بصر وبصيرة كثير من الناس، ويؤدي ذلك إلى التضييق على الأقليات والتي لا تستطيع أن تثبت ولاءها إلا بالنفاق وليس بالعمل النافع.
أعرف كثيرآ من المنافقين الشركس الذين، ولكي يثبتوا ولاءهم للنظام، تجدهم يشتمون أبناء جلدتهم (طز في الشركس وأبو الشركس)، تمامآ كما فعل مهدي عاكف المرشد السابق للإخوان المسلمين في مصر والذي قال (طز في مصر وأبو مصر) وذلك لكي يثبت أنه مسلم حقيقي.
أليس من الممكن أن أكون سوريآ وشركسيآ بنفس الوقت؟
التنوع ثراء وجمال
والدول القائمة على فكر ضيق مستند على أسس دينية أو مذهبية أو عرقية، هي دول فاشلة مهما كانت تملك من بنية تحتية وأبنية وأبراج شاهقة، فالحضارة هي الإنسان وليس الأبنية، ما قيمة الأبنية العالية إذا كان يقطنها إنسان متخلف ضيق الأفق؟
أسوأ تلك النماذج هي الدول القائمة على أسس دينية مذهبية مثل السعودية وإيران، الإنسان لا يستطيع إحتمال شخص متعصب واحد، فكيف نستطيع إحتمال دولة كاملة قائمة على مذهب ديني ضيق؟
هذه الدول هي أرض خصبة للتعصب والكراهية والتطرف وحتى النفاق، هل هناك نفاق أكثر من نفاق حكام إيران الذين يذرفون الدموع ويلطمون على إمامهم الحسين الذي بنظرهم لم يخلق مثله في البلاد، بل خلق بتقنية النانو من عناصر من غير جدول ماندلييف، والذي عجنته الملائكة بأشعة القمر!! ولكنهم بنفس الوقت يرسلون الأموال والأسلحة لمجرمي النظام السوري ليقتل شبابه وأطفاله؟!
في الحديقة الغنّاء لن يلتفت أحد إلى بعض الأشواك والأعشاب الضارة، وهذا هو حال الدول المتحضرة التي تحترم التنوع والتعدد، والتي تدرك أن بعض الأشواك هنا وهناك لن يؤثر على المشهد العام الجميل.
الأفكار الظلامية لآ تعشش إلا في دول الأنظمة القمعية الموبوءة بأحادية النظر وضيق الأفق.
ما ينطبق على التمييز بين الناس على أسس دينية، ينطبق أيضآ على التمييز على أسس عرقية، نريد دولة لا فضل فيها لعربي على كردي، ولا لمسلم على مسيحي إلا بما يقدمه لبلده ومجتمعه.
لا نريد بناء دولة فاشلة جديدة، دعونا هذه المرّة نبني دولة ناجحة، دعونا نستفيد من تجارب الدول التي أثبتت نجاحآ مثل كندا وفرنسا والسويد وغيرها.
نريد بلدآ متنوعآ جميلآ، نريد نبش كل اللغات والثقافات القديمة مثل الآشورية والسريانية والآرامية لغة المسيح وإعادة إحيائها. لا يجوز التفريط بأي مكون ثقافي، هذه كنوز يجب المحافظة عليها.
نريد تشجيع كل الطوائف والأقليات على التمسك بخصائصها وهويتها ولغتها وفنونها، نريد فتح مدارس تعلّم تلك اللغات جنبآ إلى جنب مع اللغة العربية، وحتى لو لزم الأمر لاستقدام مدرسين من القوقاز لتعليم أبناء الجالية الشركسية لغة أجدادهم، وكذلك بقية الجاليات.
نريد سورية حديقة أزهار، أزهار قوقازية، وأزهار من جبال أرمينية وطوروس وأرارات ومن جبال كردستان ومن كل الجبال الشاهقة الجميلة.
هذا التنوع الصحي هو الأرض الخصبة للتطور والازدهار، وهو الحاجز الطبيعي أمام الفكر الظلامي الهدّام.