صفحات العالم

“نصائح تركية” للمعارضة السورية··· وحزمة العقوبات بعد الأضحى

المبادرة العربية تؤسّس لمعالجة إذا نجحت ولقرار دولي جامع يليّن موقفي موسكو وبكين إذا أخفقت

رلى موفّق

ثمة انطباع دبلوماسي تركي أن الرئيس السوري بشار الأسد يُضيّع فرصة ثمينة توفّرها له الجامعة العربية من خلال مبادرتها لحل الأزمة في سوريا، تماماً كما فعل في الفرصة الأولى التي قدمتها أنقرة إليه في بدايات الأزمة من موقع الحليف، حتى أن خريطة الطريق التي ترسمها اليوم بنود المبادرة العربية تشبه بنسبة كبيرة تلك الخريطة التي وضعها رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان لصديقه الأسد، قبل أن يدير الأخير ظهره للعلاقة الحميمة بين الرجلين التي انسحبت وداً عائلياً تحمل في طياتها ثقة متبادلة ظن أردوغان أنه يمكن البناء عليها·

على أن المشهد في الفترة الفاصلة بين الفرصتين لم يتغير من ناحية النظام، حيث لا يزال يسير في سياسة كسب الوقت من أجل تنفيذ رؤيته للحل التي تستند الى الذراع الأمني والعسكري في إخماد الحركة الاحتجاجية الشعبية، والمناورة بوعود لإصلاحات هي شكلية ما دامت على قياس النظام·

لكن تغييرات عدة حصلت على المقلب الآخر. زادت عزلة سوريا على المستوى الدولي والإقليمي والعربي، والعقوبات التي بدأت أميركية وأوروبية هي في وتيرة تصاعدية وستتوسع إقليمياً، حيث أن أردوغان سيتولى الإعلان شخصياً عن حزمة من العقوبات خلال زيارة له إلى مخيمات اللاجئين على الحدود مع سوريا· وقد حصل تأخير الزيارة مرتين، الأولى بسبب وفاة والدته، والثانية بسبب الزلزال الذي ضرب تركيا وأشغل قيادتها· ومن المتوقع أن يزور المخيمات على مشارف عيد الأضحى أو بعده بقليل، ليُطلق سلسلة من العقوبات، هي أقرب إلى الإجراءات التي تقطع الطريق على إمكان استفادة النظام منها في قمع المدنيين، وتتماشى مع العقوبات الأوروبية·

والأمر الثاني الذي تغيّر هو تبلور إمكانات المعارضة السورية، بحيث استطاعت أن تخلق واقعاً لا يمكن تجاهله أو القفز عنه بعد اليوم·

فالشارع – الذي يُشكّل العنصر الأبرز – نجح في الصمود، بعدما كسر حاجز الخوف، في وجه النظام الذي عجز عن سحقه رغم كل الوسائل القمعية التي يستخدمها وحملات القتل والاعتقال· وبات من الصعب تراجع هذا الشارع بحركته الاحتجاجية التي تقدم التضحيات يوماً بعد يوم· وهو استطاع أن ينظّم عبر تنسيقيات ميدانية آليات عمله ويضخ الحياة في ثورة أبنائه الحالمين بالتغيير·

أما العنصر الآخر، فهو نجاح المعارضة في تأطير قيادتها عبر المجلس الوطني الانتقالي، الذي في رأي القيادة التركية، يعبّر إلى حد كبير عن أطياف المجتمع السوري، وأضحى لديه القدرة على التحرك في اتجاه المجتمع الغربي والدولي كإطار ممثل لشرائح واسعة من الشعب السوري·

ولا يُخفي الدبلوماسي التركي أن أمام المجلس الانتقالي مسؤوليات جمّة لا بد من القيام بها، وفي مقدمها رسم معالم مشروعه السياسي ورؤيته المستقبلية لسوريا تتخطى الشعارات والعناوين العريضة إلى التفاصيل· وفي هذا الإطار تعمل أنقرة من خلال لقاءات مع ممثلين عن المجلس على تقديم المشورة اللازمة من أجل إنضاج هذه الرؤية· ففي اجتماع لوفد من المجلس الوطني الانتقالي برئاسة الدكتور برهان غليون مع وزير الخارجية التركي داوود أوغلو منذ نحو عشرة أيام، حضّ الأخير المعارضة السورية على ثلاثة أمور رئيسية: الحفاظ على وحدة النسيج الوطني السوري والعمل على تظهير برنامج متكامل للمعارضة ورؤيتها للنظام السوري المنشود، بحيث يشكل منطلقاً لأي نقاش مع الداخل أو الخارج ويرسم آليات تحركها، تعزيز آليات التواصل والتنسيق مع التنسيقات على الأرض بشكل دائم، والتأكيد على سلمية التظاهرات وعدم السقوط في محاولات جرّ الشارع إلى مواجهات مسلحة مع النظام·

تلك “النصائح التركية” تستند إلى اقتناع راسخ بأن الأسد يناور وليس لديه قدرة على تقديم الحل السياسي على الأمني وصولاً إلى تسوية مقبولة من قبل الطرفين، ولا سيما أنه يصل إلى مسامعهم كما إلى مسامع آخرين ما يروّجه الرئيس السوري في مجالسه من أن الأمور تحت السيطرة، وسوف يكون بمقدوره حسم المسألة الأمنية بشكل نهائي حتى نهاية السنة أو شهر آذار المقبل على أبعد تقدير· وهو كلام ينم عن عدم تبدّل في ذهنية النظام الذي تؤكد المعلومات أن ضغوطاً روسية مورست عليه من أجل التعاطي إيجاباً مع المبادرة العربية واستقبال اللجنة الوزارية الآتية تحت عنوان حل الأزمة السورية·

على أن أنقرة التي فقدت باكراً القدرة على التأثير على النظام السوري، تواصل خطواتها وتنسيقها الحثيث مع عدد من الدول العربية ولا سيما قطر ومصر والسعودية، فضلاً عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي· وهي تعزو انكفاءها عن دعوة الأسد إلى التنحي، على غرار ما فعلت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون، إلى الواقعية السياسية إذ لا يزال باكراً، من وجهة نظرها، الإقدام على هذه الخطوة قبل أن تنضج الظروف التي تجعل من الدعوة عاملاً محركاً فاعلاً· ورغم أن القيادة التركية تلمس تصاعد ضغط الشارع التركي من خلال التظاهرات التي تخرج بعد صلاة الجمعة من مساجد لديها تؤيد الثورة السورية، وتندّد بالعمليات العسكرية السورية ضد المدنيين، فإن القيادة التركية ترى أن تطورات الأمور في سوريا لم تصل بعد إلى حد خوض معركة تأمين منطقة آمنة وعازلة على غرار ما حصل في بنغازي·

وفي قراءة عقلانية لأنقرة أن الانتقال إلى خطوات تصعيدية كهذه لن يكون قبل استنفاد كل الوسائل السياسية الدولية، وفي مقدمها العقوبات الدولية على النظام التي تنتظر نجاح الحراك الدولي في اتجاه تحييد كل من روسيا والصين، وضمان عدم ممارستهما حق الفيتو لقرار من مجلس الأمن· ومن هنا تأتي أهمية المبادرة العربية التي تشكّل، في رأي المراقبين، الحجز الأساس في بناء لبنة القرار الدولي الجامع، إذ أن موسكو وبكين ستكونان في موقع حرج غير قادر على الدفاع عن الأسد ونظامه إذا أخفقت المبادرة العربية واستمر نهج القمع وسقوط الضحايا واستعر الصراع الداخلي السوري خلال الأشهر المقبلة·

* كاتبة لبنانية

اللواء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى