نصائح دمشق الإعلامية
علي إبراهيم
في رسائل البريد الإلكتروني المسربة، التي نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية أولا، ثم أصبحت مادة يومية في وسائل الإعلام العربية والدولية في الأيام الأخيرة، نصائح كثيرة واهتمام شديد من قِبل الرئيس السوري والدائرة المحيطة به من مستشارين إعلاميين بالإعلام ونقل الصورة التي يريدها النظام عن نفسه إلى الإعلام الدولي وأفكار حول طرق حملات مضادة لتسفيه ما تنقله تقارير التلفزيونات عن مجازر يومية بغرض ترسيخ فكرة أن ما يحدث هو حرب ضد عصابات مسلحة وربط الثورة السورية بمتطرفين وإرهابيين.
وقد تحدث الرئيس السوري بنفسه عن ذلك بإشارته، في تصريحات علنية، إلى «أننا أقوياء على الأرض، لكننا لسنا كذلك في الفضاء»، في إشارة إلى القنوات التلفزيونية الفضائية، معربا عن رغبته في أن يكونوا أقوياء أيضا في الفضاء التلفزيوني.
وهي رسالة تكررت من قِبل النظام وترافقت مع رسالة العصابات الإرهابية المسلحة، التي يرددها منذ بداية الأزمة، وفحوى الرسالة أن هناك قنوات فضائية تلفزيونية ووسائل إعلام خارج حدود السيطرة السورية هي التي تتبنى التحريض، بل وتفتعل أخبارا وتقارير ومظاهرات واحتجاجات، أو على أقل تقدير تضخمها من أجل هدف إسقاط النظام.
بعبارة أخرى، فإن ما يقصده النظام هو أن هذا «الإعلام المغرض» صنع ثورة افتراضية يروج لها فضائيا و«إنترنتيا»، ووقع العالم في أسر هذا الحدث الافتراضي، الذي لا أساس له على أرض الواقع من وجهة نظر النظام. وبدأت الدول والمنظمات تتحرك وتضغط على أساس ذلك، والمطلوب هو حملة إعلامية مضادة من أجل نقل الحقيقة من وجهة نظر القيادة السورية. ببساطة، السبب في ما يحدث من وجهة نظر النظام هو عصابات مسلحة وإعلام مغرض.. وماذا عن التنكيل بالأطفال في درعا، الذي كان الشرارة التي أطلقت الثورة ثم حملة القمع الدموية ودك المدن والـ8 آلاف قتيل، على الأقل، والدمار الذي تعرضت له أحياء بالكامل في حمص والاعتقالات والتعذيب؟ هذا ما يعتقد النظام أنه يجب دفنه تحت السجادة والبحث عن استراتيجيات إعلامية عن طريق مستشارين وناصحين واضح من رسائلهم أنهم هواة لتغيير الصورة الإعلامية للنظام، التي تظهره يوميا وأصابعه مخضبة بالدم.
والحقيقة التي يبدو أن كثيرين لا يعونها جيدا هي أن الإعلام، على الرغم من أهميته، لا يصنع ثورة أو يجعل شعبا يخرج إلى الشوارع يطالب بحريته ويواجه الرصاص وهو غبر عابئ، وإنما تصنع ذلك المظالم والشعور باليأس ونفاد الصبر من إمكانية التغيير بشكل سلمي ديمقراطي، وعدم وجود أفق للمستقبل في ظل نظام سيدخل التاريخ باعتباره الجمهورية الوحيدة التي نجحت في توريث الحكم في المنطقة العربية.
الإعلام لا يصنع ثورة، وليس لديه إمكانية ذلك، هو فقط يلعب دورا مهما في نقل الحقائق وما يحدث على الأرض، وتطور وسائله وأدواته التي نراها الآن جعل إخفاء الحقائق شيئا أشبه بالمستحيل؛ فقد لعب الإعلام الشعبي، أو المواطن الإعلامي، دورا مهما عبر أجهزة الهاتف الجوال وأجهزة الاتصال «الإنترنتية» في جعل العالم يشاهد حقيقة ما يحدث على الأرض، وتمكن صحافيون غربيون شجعان، دفع بعضهم حياته ثمن شجاعته، من اختراق الحصار وإرسال تقارير واقعية عن المجازر في بابا عمرو، وكانت الشجاعة تقتضي من الناصحين للنظام أن ينصحوه بقراءة هذه التقارير لتغيير سياسة القمع الدموي وتوجيه الآلة العسكرية والشبيحة ضد شعبه، بينما تثبت التجارب التاريخية كلها أن هذا الأسلوب لم يفلح في أغلب الأحيان في إسكات شعب ثائر.
والواضح أن زمن النصائح يبدو أنه قد فات؛ فرسائل البريد الإلكتروني المسربة بقدر ما تعكس إنكارا للواقع، فإنها أيضا تعكس تفككا داخل النظام نفسه، وحلقة من مسلسل يتوقع أن يتسارع لتسريبات تؤشر إلى أن هناك كثيرين يريدون القفز من السفينة الغارقة.
الشرق الأوسط