صفحات العالم

نصيحة موسكو للأسد


 علي إبراهيم

لا يختلف موقف موسكو من نتائج مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في إسطنبول، والمنتقد لنتائجه، عن المواقف السابقة التي اتخذتها فيما يتعلق بالأزمة هناك، بما في ذلك عرقلتها، مع الصين، صدور قرار غربي عربي من مجلس الأمن.

لكن الانتقادات غلفت موقفا جديدا، هو الذي يستحق التوقف أمامه ويحتاج من النظام السوري قراءته جيدا، وهو دعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للرئيس السوري، بشار الأسد، إلى أن يبادر هو أولا إلى سحب قواته من المدن السورية، وأن يأخذ هو الخطوة الأولى، على أن يتبع ذلك وبسرعة سحب المعارضة قواتها هي أيضا.

هذا التطور جاء بعد أسبوع من الدراما السياسية من جانب النظام في سوريا فهو قبل مقترحات كوفي أنان، المبعوث الدولي والعربي، الذي قدم تقريره أمس إلى مجلس الأمن, ثم عاد وطلب التفاوض على شروط تنفيذ البنود الستة لخطة أنان، التي تتضمن سحب القوات من المدن، معتبرا أن قوات النظام ستنسحب عندما تهدأ الأمور في هذه المدن ويعود الاستقرار. ورد المتحدث باسم أنان على تصريحات النظام بأن الطرف الأقوى هو الذي يبادر، وأن التنفيذ يجب أن يكون فوريا.

وكان واضحا أن النظام يماطل ومستمر في سياسته التي انتهجها منذ بداية الأزمة، وهي إعلان قبول المبادرات، مثلما حدث مع المبادرة العربية ثم إجهاضها والتسويف فيها بغرض شراء الوقت، على أمل إجهاض الثورة والقضاء عليها بحيث لا يكون هناك ما يمكن التفاوض حوله.

هذه السياسة استهلكت وقتا، لكنها ضاعفت نزيف الدم والخراب والدمار الذي نراه حاليا في المدن السورية المنتفضة المنكوبة، كما أنها أفقدت النظام أي تعاطف أو مصداقية حتى لدى حلفائه أو أصدقائه السابقين الذين ملوا هذه اللعبة التي يتضح أنها لن تؤدي إلى شيء، سوى توسع نهر الدم.

والموقف الروسي الجديد يظهر أن موسكو، التي تجاوبت مع الخطة العربية ثم خطة أنان، بدأت تمل من سياسات النظام الذي يتضح أنه غير قادر على رؤية أي حل سوى الحل الأمني، ولا يستطيع أن يتصور (لسبب أو آخر) حلا سياسيا يعرف أن نتيجته المؤكدة تغيير النظام أو هيكل القيادة على الأقل في الفترة الانتقالية.

هذا الموقف يظهر أن روسيا تتململ من مواقف النظام، وأنها تشعر بحجم الضغط الذي تواجهه دوليا وإقليميا، بسبب تقديمها مظلة لحمايته من الشرعية, وتدرك أنها لا تستطيع أن تستمر في ذلك طويلا.

والسؤال: هل يستوعب النظام النصيحة (ويسحب قواته أولا) التي جاءت هذه المرة من حليفه؟ كل الدلائل تؤشر على أن النظام غير قادر على ذلك، فرهانه كان دائما على استخدام القوة، وهذه السياسة هي التي أدت عمليا إلى عسكرة الثورة السورية، وقبول المجتمع الدولي حق المعارضة في الدفاع عن نفسه على الرغم من معارضته ذلك لفترة طويلة، بسبب المخاوف من الحرب الأهلية.

لقد طرحت المعارضة من جانبها؛ سواء عن طريق بيانات الجيش الحر أو الأطراف السياسية المعارضة، استعدادها لوقف القتال إذا توقفت قوات النظام عن قصف المدن واقتحامها، وبالتالي فإنها من ناحيتها ليس لديها مشكلة في تنفيذ الشق الثاني من الطلب الروسي.

المشكلة الحقيقية هي في النظام الذي حفر لنفسه حفرة عميقة لا يستطيع الخروج منها؛ فبعد الاستخدام المكثف للقوة ضد ثورة استمرت لشهور طويلة سلمية، يدرك هذا النظام أن الخروج من المدن يعني خروج المتظاهرين مجددا بكثافة سلميا، وقد يحتلون ساحات رئيسية في دمشق والمدن الكبرى، أي عودة الطابع السلمي للثورة وإسقاطه، وهو ما حاول جاهدا منعه بالعسكرة والحديث عن العصابات المسلحة.

مع ذلك، فإن القراءة الصحيحة لنصيحة أو طلب موسكو بسحب القوات أولا هي إشعار أي أصوات قلقة أو عاقلة في النظام بأن عليها التفكير في أن معركتكم خاسرة ولا تعولوا علينا في الوقوف طويلا معكم، ففكروا ماذا أنتم فاعلون، بما في ذلك القفز من السفينة الغارقة!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى