صفحات العالم

نظام الأسد انتهى .. لا تبكوا عليه


ديفيد جاردنر

عندما تفشل الديكتاتورية في استعادة السيطرة على دولة في حالة ثورة مستمرة على مدى 18 شهراً، على الرغم من الهجمات المتكررة، وعندما لا تستطيع حفظ النظام في الريف بعيداً عن الطرق الرئيسة، ولا تستطيع حتى تأمين الحصون الأقرب إلى المنطقة الوسطى، ويكون عليها أن تسحب قوات من أماكنها على الحدود لتأمين قصورها، فإن الأمر يعد منتهياً. هذا هو الحال مع ديكتاتورية بشار الأسد، الذي لا يزال يحاول أن يقاتل من أجل الخروج من هذه الأزمة، حتى بينما يتحرك الثوار المسلحون تسليحاً سيئاً بعدد كبير خلال المدن السورية، ويتوارى مؤيدوه عن الأنظار. من المؤكد أنه انتهى.

كان تفجير الثوار لمقره الأمني في دمشق الأسبوع الماضي مدمراً. فقد خسر على الأقل أربعة من كبار منفذي سياساته، بمن فيهم صهره آصف شوكت، وحافظ مخلوف، رئيس فرع التحقيق في المخابرات العامة والعقل المدبر لجماعة الأسد، الذي يقال أيضا إنه ابن خال بشار وشقيق رامي مخلوف ممول المؤسسة.

ولا يعد التفجير في حد ذاته مغير اللعبة. فالأسد لا يزال يسيطر على قوة عسكرية أكثر تفوقاً إلى حد بعيد، لكن لا يمكن مقاومة القوة الرمزية للتفجير. ففوق تيار الانشقاقات وحالات الفرار من الجيش، سيتعين على النظام الآن أن يكافح ضد وجود المخبرين الذين اخترقوا حرمه الداخلي. فحتى 18 تموز (يوليو) كان آل الأسد هم من يبث الرعب من القصاص داخل جدران القلعة، أما الآن فهم وحاشيتهم من يجري فزعاً. فهذه لم تكن مجرد ضربة مميتة إلى المؤسسة الأمنية، لكنها كانت أيضا ضربة لشبكة عشيرة الأسد، ولخليط الدولة البوليسية ومؤسسة العصابات الذي يصنع هذا النظام. فالعائلة، والعشيرة، والمصالح التجارية المتوحشة، وكبار موظفي الدولة في مجال الأمن قد غرقوا جميعاً.

ويسيطر ماهر الأسد، شقيق الرئيس الأصغر سريع الغضب، على فرقتي النجدة الوحيدتين الجديرتين بالثقة، والمؤلفتين من الفرقة الرابعة دبابات والحرس الجمهوري، وتتكونان بشكل أساسي – على غرار أجهزة الأمن – من أقلية من الطائفة العلوية التي تنتمي لها عائلة الأسد، وهي فرع مبتدع من المذهب الشيعي في دولة ثلاثة أرباع سكانها من السنيين. لكن حتى الشبيحة، وهم في الغالب ميلشيا تابعة للطائفة العلوية انبثقت من عصابات التهريب التي كانت تنفذ عمليات التطهير الطائفي في معاقل الطائفة العلوية في الشمال الغربي، عادة ما يكونون تحت قيادة أبناء عمومة الرئيس وأقاربه، من أمثال نمير الأسد في اللاذقية.

لكن إمدادت عائلة الأسد ليست بالشيء الذي لا ينضب. وبعض أتباعهم على الأقل، لا بد وأنهم يتساءلون عن المصير الذي ستقودهم إليه عائلة الأسد. وقد جرد انشقاق مناف طلاس، أحد جنرالات الحرس الجمهوري، هذا الشهر، النظام من قشرته السنية الأخيرة الأعلى قيمة. وقرار عائلة الأسد إشهار سكين الطائفية، من أجل تطويق الأقليات في سورية وإجبارها على العودة لمعسكرها، دمر القصة الخرافية التي تقول إن هذا هو المضاد الحيوي للتطرف السني. وبينما بدأت الأقليات من الأكراد، والمسيحيين، والدروز في الجنوح نحو المعارضة، أصبح القتال بشكل مباشر بين العلويين والسنيين ـ إلى جانب مؤيديهم الأجانب. فقد ساندت إيران وروسيا النظام، لكنهما لن تستطيعا أن تحاربا في معاركه. وفي معسكر السنيين، كثفت السعودية، وقطر، وتركيا الدعم، مع وجود الولايات المتحدة في الخلفية. واكتسبت قوات الثوار القوة الدافعة منذ أواخر الربيع، والتي تبلورت حالات من السيطرة على عدد من المناطق. ويعتمد حجم القتال المقبل على مدى تماسك نظام ينكمش. فقد سيطرت القوات الموالية على منطقتين في العاصمة بعد عشرة أيام من القتال، لكن في هذه الأثناء اندلع القتال في حلب، العاصمة التجارية. ولا تستطيع عائلة الأسد أن تكون موجودة في كل مكان في اللحظة نفسها.

وعندما تسقط بالفعل، سيكون هناك اهتمام طبيعي بشأن من سيحل محلها، خاصة أن البعض يوجهون دعمهم نحو جماعة الإخوان المسلمين. وحتى الآن، وعلى الرغم من ذبح النظام لمدنيين (معظمهم من السنة) والقليل من الفظائع الموثقة المتعلقة بالثوار، لم تحدث أي أعمال انتقامية جماعية ضد الأقليات. وهذا يوحي بوجود نظام ومداولات بين قوى المعارضة على أرض الواقع، متمثلة في المجالس العسكرية الإقليمية ولجان التنسيق المحلية للناشطين الذين يقودون الانتفاضة المدنية. وكما هو الحال في ليبيا، قد يجد التحالف الدولي ضد عائلة الأسد طرفاً للعمل معه.

ويمكن أن يكون دور تركيا مهماً، خاصة إذا استطاعت أن تخفف من التأثير في الإخوان المسلمين، وتمنع سورية من أن تُستهلك أكثر بسبب المنافسة الإقليمية بين السنة والشيعة. وقد تكون روسيا مفيدة في تحديد عناصر في الدولة السورية الحالية يمكن أن تتولى دور المتحدث بالنيابة عنها بشأن مستقبلها. والإنذار الأخير من قبل الجيش السوري الحر، المظلة العسكرية للثوار، الذي يمنح الضباط والمسؤولين مهلة حتى نهاية هذا الشهر كي ينشقوا، يمكن أن يعجل بهذه العملية.

إن الشعور بالقلق بشأن من سيخلف آل الأسد أمر طبيعي، لكن يجب ألا يحدث هذا على نحو يشجعهم على الاستمرار في القتال. وقد كان حكمهم الاستبدادي الذي استمر 42 عاماً معروفاً في منطقة متقلبة على نحو خطير. وطوال ما يقارب أربعة عقود لم تطلق رصاصة واحدة عبر مرتفعات الجولان، التي استولت عليها إسرائيل من سورية في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، وتم تأمينها ضد الهجوم السوري المضاد في حرب 73.

لكن هذا يجب ألا يعمي أعيننا عن رؤية كيف أن آل الأسد يعاملون شعبهم بوحشية الآن، أو يجعلنا ننسى ما فعلوه في لبنان والعراق من قبل. فقد اعتمدوا على سياسة إحداث الفُرقة من أجل ترسيخ الحكم مع، وداخل، فسيفساء الطوائف في لبنان خلال عقود الاحتلال الثلاثة، ووفروا للجهاديين السنيين الممر الرئيس المؤدي إلى العراق، من أجل أن يشنوا حرب استنزاف ضد القوات الأمريكية المحتلة، ويذبحوا المدنيين الشيعة. وبتقديم نفسها على أنها “قلب العروبة النابض” ونقطة الارتكاز في محور المقاومة ضد المخططات الإسرائيلية والغربية في المنطقة، كانت سورية في عهد آل الأسد على استعداد دائم، لأن تقاتل حتى آخر فلسطيني أو آخر لبناني. والمهمة الآن هي تعجيل نهايتها، وليس الحزن على وفاتها.

لندن الاقتصادية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى