صفحات الناس

نظام التطهير الطائفي في سورية/ رامي سويد

 

 

حوّلت الحرب الدائرة في سورية منذ نحو أربع سنوات، بين قوات النظام السوري والمليشيات الحليفة والتابعة لها من جهة، وقوات المعارضة السورية من جهة ثانية، والتنظيمات المتشددة من جهة ثالثة، المجتمع السوري إلى مجتمع منقسم على نفسه طائفياً، وسط منطقة بدأت حروبها الطائفية منذ الحرب اللبنانية الأهلية، ثم الحرب العراقية الإيرانية وصولاً للاضطرابات والنزاعات الطائفية التي شهدها العراق منذ الاجتياح الأميركي له عام 2003.

وكان للمليشيات التابعة لقوات النظام الدور الأبرز في مجازر التطهير الطائفي، وقد أمعنت في ارتكابها في ظل تردد المجتمع الدولي عن ردعها. لقيت المجازر ردّة فعل عنيفة وجنوحا نحو التطرّف؛ إذ سارع كثير من الشباب السوري إلى الانضمام للتنظيمات المتطرفة شأن “الدولة الإسلامية” (داعش)، و”جبهة النصرة”؛ تنظيمات لم تتوان عن ارتكاب أبشع الجرائم بدورها.

وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الانسان في دراسة مفصلة أصدرتها منذ أيام مقتل نحو 3400 مواطن سوري في مجازر تطهير طائفي وعرقي حصلت في سورية منذ اندلاع الثورة في مارس/ آذار عام 2011، قامت المليشيات التابعة لقوات النظام السوري والمتحالفة معها بقتل 3074 منهم، في مقابل قيام تنظيمي “جبهة النصرة” و”داعش” وقوات “حماية الشعب” الكردية مجتمعةً بقتل 326 مواطنا سورياً.

وأظهرت الدراسة مدى التباين الكبير بين حجم المجازر التي ارتكبتها القوات التابعة للنظام السوري وتلك التي ارتكبتها باقي الأطراف في سورية؛ إذ ارتكبت مليشيات النظام تسعاً وأربعين مجزرة تسببت بمقتل 3074 مواطنا سورياً، بينهم 526 طفلاً و471 سيدة، بينما ارتكبت مجموعات أخرى مناوئة للنظام (داعش وجبهة النصرة) سبع مجازر تسببت بمقتل 236 مواطناً سورياً بينهم 39 طفلاً و87 سيدة، في الوقت الذي ارتكبت فيه قوات “حماية الشعب” الكردية ثلاث مجازر ذات طابع تطهير عرقي ضدّ العرب من سكان المناطق التي تسيطر عليها في محافظة الحسكة تسببت بمقتل 91 مواطناً بينهم 17 طفلاً وسبع سيدات.

وتوزّعت المجازر التي ارتكبتها قوات النظام السوري والمليشيات المحلية والأجنبية الموالية لها والمتحالفة معها على معظم المحافظات والمناطق في سورية. وكان لمحافظة حمص النصيب الأكبر، حيث ارتكبت مليشيات النظام السوري فيها 22 مجزرة في مقابل 8 مجازر في حلب و7 مجازر في حماة ومجزرتين في كل من إدلب ودرعا وطرطوس، وخمس مجازر في دمشق وريفها ومجزرة واحدة في دير الزور.

واستفزت مجازر المليشيات التابعة لقوات النظام الشارع المعارض للنظام، فانتفض ضد النظام، فيما بلغ غضب بعض الشباب السوري حدّ الالتحاق بالتنظيمات المتشددة، التي ردّت على المجازر بأخرى مماثلة لها، وراح ضحيتها البيئة الحاضنة للنظام.

وارتكب “داعش” و”النصرة” وإخوتهما، سبع مجازر من ضمنها مجزرتان في كل من حماة وحمص، ومجزرة في كل من الحسكة ودير الزور وأخرى في ريف اللاذقية.

وكانت مليشيات النظام المحلية، خصوصاً من أحياء الزهراء وعكرمة ووادي الذهب، قد عملت على زيادة التوترات الطائفية في سورية، عبر ارتكابها أكثر من عشرين مجزرة في مختلف المناطق السورية، بدأتها في السنة الأولى للثورة وتحديداً في كانون الأول/ديسمبر، في أحياء مدينة حمص وريفها. أطلق السكان على تلك المليشيات حينها اسم “الشبيحة”، التي عاد النظام السوري ونظّمها في إطار “قوات الدفاع الوطني”.

ارتكبت هذه المليشيات مجازر كبرى ضدّ سكان أحياء كرم الزيتون وبابا عمرو والرفاعي والعدوية والسبيل ودير بعلبة والشماس، وبلدات البويضة الشرقية والحولة وتسنين والمشيرفة وتلكلخ وغيرها في ريف حمص.. سقط ضحيتها المئات من السكان بينهم الأطفال والنساء، وتتسبب بحقن طائفي شديد في مدينة حمص وريفها. وترافقت مع عمليات تهجير قسري خوفاً من الإبادة.

في أرياف طرطوس وحماة ودمشق، كان هناك وضع مشابه، حيث ارتكبت مليشيات “الشبيحة” مجزرة كبرى في مدينة بانياس الساحلية في بداية مايو/أيار 2013، راح ضحيتها 459 مدنياً من سكان المدينة الساحلية، جميعهم من العرب السنة بينهم 92 طفلاً و71 امرأة، بالإضافة إلى عشرات المفقودين والمعتقلين.

واعتبرت الشبكة السورية هذه المجزرة، التي تضمنت عمليات ذبح لأطفال ونساء بالسكاكين، نوعاً من التطهير الطائفي. كما ارتكبت هذه المليشيات مجازر في بلدات التريمسة والقبير وعقرب ومصياف وغيرها في ريف حماة، وفي بلدات ومدن الذيابية ودوما وسقبا بريف دمشق.

وإذا كانت هذه المجازر قد تسببت بنزوح سكاني في ريف حماة، إلا أنّ هذا الأثر لم يكن بالغاً في ريف دمشق، حيث تسيطر قوات المعارضة على غوطة دمشق الشرقية، وتمنع قوات النظام من اقتحامها منذ أكثر من عامين ونصف العام.

المليشيات الأجنبية

المليشيات الأجنبية الداعمة للنظام شريك أساسي في المجازر. وبدأ ظهور المليشيات غير السورية بشكل واضح وعلني منذ معركة السيطرة على مدينة القصير في ريف حمص في صيف العام قبل الماضي، حيث خاضت قوات حزب الله اللبناني المعركة بشكل منفرد بإسناد جوي من طيران النظام السوري، وتلى ذلك تدخل أكبر لمليشيات عراقية كلواء ذو الفقار ولواء أبو الفضل العباس بالاشتراك مع قوات حزب الله اللبناني في معارك مدن النبك وقارة ويبرود في منطقة القلمون بريف دمشق.

وتوسع ظهور المليشيات العراقية على جبهات القتال في ضواحي العاصمة السورية، خصوصاً في ضاحية الست زينب وحي جوبر وضواحي الحجر الأسود ويلدا وببيلا وبيت سحم الواقعة إلى الجنوب من دمشق، لتظهر بعد ذلك قوات حزب الله اللبناني في الشمال السوري خصوصاً في بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي، وبلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب.

كما ظهرت على جبهات القتال في منطقة السفيرة بريف حلب الشرقي منذ صيف العام قبل الماضي. وما لبثت أن اعتمدت هذه المليشيات على مقاتلين محليين من أبناء الطائفة الجعفرية التي تسكن هذه البلدات والذين تطوعوا في صفوف حزب الله اللبناني.

وارتكبت هذه المليشيات سبع مجازر كبرى في ريف حلب الشرقي، كان بينها مجزرة قرية رسم النفل التي سقط ضحيتها 192 مدنياً من سكان القرية، ومجزرة قرية المالكية التي سقط ضحيتها 69 مدنياً من سكان القرية، ومجزرة قرية المزرعة التي راح ضحيتها 55 مدنياً، بحسب توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

لكن المليشيات الأجنبية المكونة من مقاتلين إيرانيين وأفغان تأخرت في الظهور على جبهات القتال في حلب حتى بداية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حين قامت بالتعاون مع قوات النظام السوري بمهاجمة بلدتي حندرات وسيفات، الواقعتين إلى الشمال من مدينة حلب، قبل أن تقتحم بلدتي حرتنين ورتيان بريف حلب وتخطف 320 مدنياً من سكان القريتين، متخذة إياهم دروعا بشرية وتعدم بعدها 48 منهم، بينهم 10 أطفال وخمس نساء، بحسب توثيق الشبكة السورية.

المتطرّفون يردّون بالمجازر

لم يتأخر ردّ التنظيمات المتطرفة على مجازر النظام ومليشياته، فقد هاجمت “جبهة النصرة” في بداية صيف عام 2013 قرية حطلة في ريف دير الزور بعد مهاجمة مسلّحي القرية الموالين للنظام لحاجز “النصرة”، إذ أقدم عناصر “النصرة” بعدها على الانتقام من سكان القرية والقيام بعمليات إعدام ميداني وحرق للجثث ونهب للبيوت والمحال التجارية.

وفي شهر أغسطس/آب من نفس العام، اقتحمت عناصر متشددة عدة قرى تسكنها غالبية من الطائفة العلوية في الساحل السوري، وهي قرى بيت شكوحي ونباتة وباردوة وبريمسة واستربة وأوبين وخراطة، وخطفت 312 شخصاً من هذه القرى معظمهم من الأطفال والنساء، وقتلت 132 مدنيا، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

في وقت لاحق في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، من العام نفسه، اقتحمت “جبهة النصرة” و”داعش” قرية صدد بريف حمص، وارتكبت مجزرة ضد السكان راح ضحيتها عشرة مدنيين. كما اقتحم “داعش” في نهاية مارس/آذار قرية المبعوجة بريف حماة وقتل 36 مدنيا بينهم 12 سيدة وثلاثة أطفال، وخطف 84 شخصاً.

تطهير عرقي

ارتكبت قوات “حماية الشعب” الكردية بحق العرب من سكان المناطق التي تسيطر عليها بريف الحسكة عدة مجازر لا تحمل صبغة طائفية، لأن القوات الكردية تضم بين صفوفها طوائف متعددة، غالبيتها من الطائفة السنية، ولكن يمكن توصيفها بأنها مجازر تحمل صبغة عرقية. ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ثلاث مجازر تحمل هذه الصبغة، ارتكبتها القوات الكردية في محافظة الحسكة، قضى بموجبها 91 مدنياً، من بينهم 17 طفلاً، و7 سيدات.

وتزامن ذلك مع تقدم القوات الكردية المدعومة بمليشيات عربية على حساب “داعش” في ريفي الحسكة والرقة أخيراً، والذي ترافق مع موجات نزوح كبيرة للعرب من هذه المناطق، ما ساهم في إذكاء الاحتقان العرقي بين العرب والأكراد شمال شرق سورية.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى