صفحات العالم

نظام الطائفة: الاغتيال أداة الحوار مع اللبنانيين


غسان الإمام

لماذا تدخل نظام الأسد في لبنان (1975)؟ كان الهدف المعلن وضع حد للحرب الأهلية اللبنانية، لأنها تشكل خطرا على «الاستقرار» السياسي والاجتماعي في سوريا. غير أن الهدف الحقيقي كان تصعيد الدور السياسي للشيعة اللبنانية التي وجد فيها الأسد الأب الحليف الطبيعي والأقرب، لنظامه الطائفي ضد الغالبية السنية في سوريا. ثم في لبنان.

كانت سنة سوريا ضحية لظلم كبير. فقد امتنعت عن تلبية دعوة «الإخوان المسلمين» لها لمقاومة نظام الأسد، وشله بالعصيان المدني. بل رفضت السنة حملة الاغتيالات التي شنها الجناح الاستئصالي لقيادة «الإخوان». ولم تكن هذه الحملة ناجحة. فقد استهدفت أطرا علوية من الصنف الثاني والثالث. وبذلك ألهب «الإخوان» عداء النظام العلوي ضد السنة.

أسفر انحياز الأسد في لبنان إلى الشيعة، عن اغتيال كمال جنبلاط الزعيم السياسي للدروز (1977). وعن تصفية موسى الصدر الزعيم الروحي للشيعة (1978). لن أدخل في التفاصيل. سأتناول باختصار شديد الملابسات المباشرة للاغتيال الذي كان الأداة الدبلوماسية، للتعامل مع اللبنانيين، على مدى ثلاثين سنة (1975 / 2005).

زار الأسد لبنان (1976) طارحا وثيقة دستورية، لتوزيع طائفي للصلاحيات والسلطات والمناصب، على أساس المساواة. تردد جنبلاط في قبول الوثيقة. كان يرى أن الوقت قد حان لتخلص لبنان من نظامه الطائفي، من خلال المضي في الحرب.

كان غضب الأسد عارما على جنبلاط وحليفه عرفات. وإذا كان «الختيار» بـ«سبعة أرواح»، ناجيا من محاولات اغتيال سورية وإسرائيلية، فقد كان جنبلاط بروح واحدة، فقدها بعدة رصاصات غير مبالية بزعيم حاول، في نبل سياسي كبير، تجاوز طائفته، ليجمع شباب الطوائف في حزب سياسي كبير ضد الطائفية السياسية.

كان الرد على اغتيال زعيم اليسار اللبناني سريعا. في العام التالي، تمت تصفية الصدر خلال زيارة مشؤومة لليبيا، بـ«مؤامرة» شاركت فيها أجهزة مخابراتية شيوعية وتنظيمات فلسطينية. واختير «الشريك» القذافي مسرحا لتنفيذها.

كان القذافي غاضبا أيضا على الصدر. فقد مول كل الأطياف اللبنانية والفلسطينية، من أجل الاستمرار في الحرب التي رفضها الصدر الذي وجد في الأسد أكبر عون له في سحب الجيل الشبابي الشيعي آنذاك من الأحزاب اليسارية والقومية، وإعادته إلى حضن الطائفة. وأضرب عن الطعام احتجاجا على مواصلة عرفات وجنبلاط الحرب.

في مرحلة تورطه في لبنان (1975 / 1980)، كان الأسد محظوظا. فقد تم تغييب جنبلاط. ثم وجد في حلفه مع الخميني بديلا أقوى من الصدر الغائب، لـ«تطييف» الشيعة.

سجلت الثمانينات امتحانا قاسيا للأسد: اشتداد وطأة الخصومة مع صدام العراق. احتمالات حرب مع الأردن المنحاز لصدام. ثم التورط الإسرائيلي في لبنان، وانسحاب القوات السورية أمامه إلى البقاع. الامتحان أثبت مهارة الأسد التي لا تبارى في عقد وفك التحالفات، وفي المضي باعتماد دبلوماسية الاغتيال، في التعامل مع اللبنانيين والسوريين.

فرز تحالف الأسد مع الشيعة هذه الطائفة إلى فئتين: تنظيم «أمل» الموالي له بزعامة نبيه بري. و«حزب الله» الموالي لإيران حليفة سوريا الأسد. وأسفر التعاون والتنسيق عن نصر كبير للمخابرات الإيرانية على المخابرات الغربية في لبنان. لكن كان على «حزب الله» الإفراج عن جميع الرهائن الأميركية والأوروبية، تحت ضغط الأسد، بعدما قبلت أميركا به مضطرة «شرطيا» في لبنان.

إلى جانب حرب المخابرات، شهد لبنان الثمانينات حروبا عدة سورية مباشرة أو بالواسطة: حرب المخيمات بين الأسد وعرفات قتل فيها 2500 فلسطيني، بمدافع ودبابات سورية استخدمتها حركة «أمل». واغتيل اللواء سعد صايل (أبو الوليد) قائد القوات الفلسطينية. وكاد عرفات يفقد حياته في زيارة لدمشق، لو لم ينجح صديقه رفعت الأسد في حمايته وتهريبه.

ثم حرب الشيعة (أمل وحزب الله) التي قتل وجرح فيها ألوف. ولا ننسى الحرب المسيحية بين العماد عون وسمير جعجع. وحرب عون مع الدروز التي نجح فيها في صد تقدم الدروز المدعومين سورياً نحو قصر بعبدا الرئاسي.

في عصر «الشرطي» السوري، قتل رئيسان لبنانيان: بشير الجميل (1982) ورينيه معوض (1989). الأول لأنه انتخب في العصر الإسرائيلي المنافس للعصر السوري. والثاني لأن مسايرته للنظام السوري لم تكن مضمونة مائة بالمائة. اغتيل صحافيان كبيران. رياض طه المتهم بالميل إلى العراق. وسليم اللوزي المعارض الذي سلخ جلد أصابعه، واغتيل شقيقه مصطفى.

واغتيل زعماء سنة: الشيخ حسن خالد مفتي الجمهورية اللبنانية (قتل في تفجير سيارة مفخخة بـ150 كيلوغراما من المتفجرات. وقتل معه حرسه. وسائقه. و22 مارا في طريقه). وكان تسامحه الديني وعلاقته القوية بالزعماء الدينيين المسيحيين سببا لنقمة النظام السوري. وسبقه مقتل العلامة الشيخ صبحي الصالح الذي لم يغفر له كونه مدرسا للأدب العربي في جامعة دمشق. ثم اغتيال ناظم القادري (1989) النائب السني لمدينة بعلبك، لأنه لم يقدم الولاء لجاره في «مجدل عنجر» الحدودية، اللواء المخابراتي غازي كنعان الذي حكم لبنان عشرين سنة.

في التسعينات، وصل الشرطي السوري في لبنان إلى قمة دوره السياسي المهيمن على لبنان. ثم انتهاك اتفاق الطائف بالتمنع عن الانسحاب. انتخب رئيسان مطيعان (إلياس هراوي. وإميل لحود). جيء برؤساء وزارات تم تدجينهم سوريا نكاية بزعامة وشعبية رئيس الوزراء السني رفيق الحريري الذي تم اغتياله في عصر الأسد الابن (بتفجير 1350 كيلوغراما من المتفجرات بموكبه. وقتل معه حراسه والوزير باسل فليحان. وجرح الوزير سمير الجسر. وقتل وجرح في الحادث 120 عابر سبيل. وبالطريقة ذاتها، تمت تصفية حليف سوريا إيلي حبيقة لأنه كان على وشك نشر مذكراته التي تضمنت معلومات تدين نظام الطائفة.

في عصر الأسد الابن، جرت اغتيالات وتصفيات شديدة الغموض. نحر أو انتحر رئيس الحكومة محمود الزعبي (2000). قتل العميد المخابراتي محمد سليمان (2008) المقرب جدا من بشار. اتهم النظام الموساد. لكن راجت معلومات أنه كان ضحية صراع مراكز القوى المخابراتية السورية.

تماما كالمعلومات لدى أهل عماد مغنية خبير الاغتيالات والمتفجرات في «حزب الله» الذي اغتيل على عتبة مدخل مبنى مخابراتي ضخم في قلب دمشق. وسبق اغتيال مغنية، انتحار أو نحر غازي كنعان وزير الداخلية الذي قيل إنه حاول منافسة نظام العيلة بتشكيل خلايا علوية عسكرية ضدها.

بعد الانسحاب المهين للقوات السورية من لبنان (2005) طلبت لجنة التحقيق في محكمة الحريري الدولية سماع شهادة بشار وبعض كبار مخابراته، عن علاقة نظام العيلة بالمتهمين الأربعة في «حزب الله» بقتل الحريري. والمعروف أن التنسيق الأمني والمخابراتي بين الحزب والنظام الطائفي ظل مستمرا منذ إنشاء الحزب في أوائل الثمانينات. ولدى الشارع اللبناني شبهة قوية بأن هذا التنسيق ليس بعيدا عن اغتيال عشر شخصيات لبنانية، بعد مقتل الحريري، ولم يجرؤ لبنان إلى الآن على إجراء تحقيق فيها.

في كل ما كتبته عن سوريا، تعمدت إيراد الهوية الطائفية للجاني وللضحية، كي يعرف العرب ما يجري وما جرى تماما. ولعل «خلية» أدونيس تكف عن الدفاع عن طائفية نظام العيلة لتصر على مقارنته بطائفة السنة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى