نظام قاتل ومعارضة جديدة
غسان المفلح
لم يعد الحديث الذي يتقوله النظام وإعلامه عن ثورة الحرية للشباب السوري تنطلي على أحد، الجريمة مكشوفة وتمارس في وضح النهار، إن المشاهد التي تأتي لم تعد تحتاج إلى من يتقول عن أي لبس في الصورة، فالصورة أكثر من واضحة، النظام أعلن معادلته إما أن يستمر وإما أن يترك سورية أرضا محروقة، وهذا إن دل فإنما يدل على عمق انتماءه لسلطته ولسلطته وحدها دون سواها، أما الحديث عن انتماء هذا النظام لوطن أو مجتمع فهو محض افتراء على التاريخ والواقع، النظام هذا لا ينتمي إلا لنفسه، فكيف تقبل بعض الأطراف الحوار معه أو تدعو للحوار معه؟
سورية كوطن آخر هم هذه العصابة، ولو كانت سورية تهمه لما نهبها بهذه الطريقة التي يعجز القلم عن وصفها، أنا هنا لا أمارس تحريضا، وإنما أحاول أن اختصر واقع السلطة، إنها أفرجت عن كل مكنوناتها الهمجية، وجعلتنا نصدق أنها عبارة عن ثلة مافيوزية لا أكثر ولا أقل. اربعون عاما تأخرت فيها سورية عقود من الزمن حتى عن أقرب جيرانها، أربعون عاما من القتل والنهب وإفقار البلاد والعباد. أربعون عاما حاولت أن تعيد المجتمع السوري إلى المرحلة الغرائزية، مرحلة ما قبل الدولة” ثلة من قطاع الطرق يستولون على مزرعة، أو قراصنة يستولون على سفينة، هكذا الأمر باختصار، وهذا ما كنت اتحدث عنه دوما، وكنت أصر على أن هذه السلطة لا تخضع لنظريات الدولة والسلطة وعلاقتهما مع المجتمع، كما كان يحاول العقل التنظيري السوري، أن يوهمنا دوما، مرة أنها نظام شمولي ومرة أنها دولة مماليك سلطانية ومرة ديكتاتورية محدثة…الخ هذه الترسيمات التي كان يسمح بنشرها إعلام هذه السلطة ويسمح بتداولها لأن السلطة تعرف جيدا أن هذه التصنيفات أولا لا تنطبق عليها، ولأن هذه التصنيفات تخفي حقيقتها في كونها” عصابة” والاطرف من كل هذا وذلك هو الحديث عن ليبرالية اقتصادية أو متوحشة كما يحلو ليسار مفلس ولفكر نقدي يحاكي صورته لا صورة سلوك السلطة الفعلي.
يتحدث بعض هؤلاء الآن عن بث الإحساس بالإمان لدى الأقليات وخاصة الطائفة العلوية، بينما واقع القوة المافيوزية يقتضي الحديث في مثل هذا الدم عن حماية الأكثرية، وإعطاءها إحساس أنها جزء من سورية!!
ألا يكفينا نفاقا، ألا يكفينا تخرصات عن الحديث فوق هذا الدم عن علمانيات تخفي خلفها استمرار العسكر المافيوي بالقتل في وضح النهار؟
الطائفة العلوية على رأسنا من فوق، ولكن الموضوع ليس لأنها لا تشعر بالأمان هي تقف مع النظام، لا أريد ان أشارك بهذا التواطؤ، وهذه الاحجيات اللغوية، كتبت مرة في السجن قبل أكثر من خمسة عشر عاما، أن نظام آل الأسد استطاع أن يعلي الانتماء للطائفة وهو سيدها على الانتماء لسورية، هنا جوهر القضية، أما تكتيكات السياسة فلا تعنيني في هذا المجال. تماما كما أعلى الانتماء للسلفية السلطوية عند بعض أهل السنة، والذين الآن يلتفون حول هذا النظام، والمبرر أنهم يخافون من المستقبل، كلا الطرفين يضع بقية الشعب السوري في دائرة الاتهام، وهذا ما أنتج معارضة جديدة بقيادة شباب الثورة ومطالبهم.
معارضة جديدة انبثقت معها مشروعيتها وشرعيتها، شرعيتها في أنها تناضل وتدفع دما من أجل الحرية والكرامة ومشروعيتها من خلال مشروعها الذي كتبته بشعاراتها التي تنادي بها، شعاراتها التي ترسم ما يريده الشباب السوري المنتفض من سورية المستقبل، وليس أدل على ذلك من محاولات النظام المستميتة جر الشباب السوري لكي يدخل بشعارات طائفية وهذا ما أفشله الشباب السوري الذي تجاوزنا جميعا، وأصبح هو المعارضة الحقيقية، رغم القتل والتهريج بعده بالقاف المشددة، من قبل عناصر الحرس الجمهوري والجيش، فإن الشباب السوري يصر على أنها سلمية ولا سنية ولا علوية والشعب السوري واحد. الشباب السوري الذي يتعرض يوميا للاستفزاز الغرائزي الطائفي من قبل أهل السلطة، سوف يفوت الفرصة على هذه العصابة التي تريد جر البلد لفتنة طائفية لكي يصبح لها سندا دوليا علنيا.
الجرح الذي زرعه النظام أصبح غائرا باللاشعور لدى غالبية أبناء الطائفة العلوية، الانتماء للطائفة أعلى من الانتماء لسورية، انتماء متمحور حول تمثيلها سياسيا وطائفيا من قبل آل الأسد، هنا الخطورة في الأمر وهنا علينا الانتباه، لكي لايصاب شبابنا بالاحباط في حال لم تتحرك وجوه الطائفة أو لم ينشق الجيش، وأجزم أن شباب ثورتنا بحسهم العملي يدركون هذه الحقيقة، ولهذا هم يفوتون الفرصة على هذه العصابة، ولسان حالهم يقول أنكم تعتبرون سورية ملكا لآل الأسد وأنتم من حولهم، ونحن كشباب ثورة نقول لكم” سورية حرة ستكون لنا جميعا” هنا تأسس جانب على غاية من الأهمية من شرعية الثورة ومشروعيتها.
لهذا نحن كمعارضة قديمة نحاول أن نلتحق بهذه المعارضة الجديدة، رغم أنه يمكن ألا يكون لنا مكانا فيها، إذا بقينا نعزف نفس النغمات. التي لم نكن نستطيع من خلالها فعل أي شيء مفيد لهذا الوطن، ما خلا أننا حافظنا بتضحياتنا على أن سورية فيها من يقول لا لآل الأسد.
علينا أن نساهم في بلورة رؤية جديدة تتناسب مع هذه المعارضة الجديدة التي انتجها الشباب السوري وعمدها بدماءه. كيف؟ الإجابة تحتاج إلى أن نتخلى عن أنفسنا قليلا، وعن تصنيفاتنا، وعن كل ما جعلنا نتفاجئ بثورة شبابنا. أن نلتحق بهم كجنود لا كقادة. عندها نكون جنودا فاعلين لا قادة كسيحين، يريدون حصصا لأحزابهم، ويريدون أن يتصدروا الواجهات.
ضمن هذا المنطق احاول مع غيري أن نجد منطقا جديدا نلتحق من خلاله بشباب الثورة.
برأيكم هل هذا ممكن؟ أم أننا سنبقى نقول أننا نحن الصح قبل أن تفاجانا الثورة ونحن الصح بعد أن فاجأتنا، منطق لا يستقم لا بل أنه منطق يخدم هذه العصابة.
المجتمع الدولي سوف يغير موقفه الشباب السوري ومعارضته الجديدة، وليس نحن، نحن يمكن أن نكون جزء عضويا من هذا الألق الشبابي السوري، فيما لو تخلينا عن كل ما يعيق حركتهم، وأهم ما نفعله هو أن نكون كما قلت جنودا عندهم.
سقفهم لا حوار مع النظام، والنظام سوف يسقط، فدعونا لا نتلاعب بهذا تحت مختلف التسميات والمبررات، فدماءهم أنقى من كل هذه المحاولات.
نعم هنالك معارضة جديدة وهنالك شرعية جديدة.
الدعوات الآن للحوار تحت سقف الوطن كما يقول اصحابها، أي وطن هل هو وطن من يقتل أطفالنا في حوران وفي حسر الشغور وحماة والرستن وحمص، أي وطن هذا سنتحاور فيه مع ماهر الأسد؟ أو مع العميد محمد مفلح رئيس فرع الأمن العسكري قاتل أطفال حماة، الذي تبرأت منه قريته محجة في حوران؟ أم نتحاور مع ضباط قتلوا جنودهم لأنهم رفضوا قتل المدنيين؟
منطق عجيب!!
ايلاف