نظام كذاب بامتياز
د. قصي غريب
بعد أن اندلعت الانتفاضة الشعبية في سورية تعددت التهم التي وجهها النظام الحاكم سورية بعصابات الموت ضد المتظاهرين الذين يطالبون بالحرية والكرامة المسلوبة للشعب السوري، وكان من أهمها ان ما يحصل في سورية هو تمرد مسلح لتنظيمات سلفية، فقد قالت وزارة الداخلية في بيان لها إن : ( مجريات الأحداث الأخيرة كشفت أن ما شهدته أكثر من محافظة سورية من قتل لعناصر الجيش والشرطة والمدنيين، والاعتداء على الممتلكات العامة، وقطع الطرقات العامة والدولية، إنما هو تمرد مسلح تقوم به مجموعات مسلحة لتنظيمات سلفية، ولا سيما في مدينتي حمص وبانياس، وأن بعضاً من هؤلاء دعا علناً إلى التمرد المسلح تحت شعار الجهاد مطالبين بإقامة إمارات سلفية, وأن ما قامت به هذه المجموعات المسلحة يشكل جريمة بشعة يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات, وأنه لن يتم التساهل مع النشاطات الإرهابية لهذه المجموعات المسلحة التي تعبث بأمن الوطن وتنشر الإرهاب ).
ان اطلاق مثل هذه التهمة المتهافتة ضد المحتجين المطالبين بالحرية والحياة الكريمة للشعب السوري هي رسالة مستهلكة ومبتذلة موجهة حصرياً الى الولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت الحرب على ما يسمى بالارهاب بعد هجمات 11 أيلول 2001، من أجل استغلال هذا الجانب الحساس لديها ومغازلتها والعزف على الايقاع ذاته الذي تدق عليه من خلال ان المتظاهرين ضد النظام في سورية هم من التنظيمات السلفية الذين تعدهم واشنطن اعداء لها وفي حالة حرب ضدهم ومن ثم فان نظام الرئيس بشار الأسد يقاتل على نفس الجبهة التي تقاتل فيها، ولكن اتهام المتظاهرين من قبل النظام في سورية فجاءة بانهم مجموعات مسلحة لتنظيمات سلفية يكذبه تماماً ما كشفه موقع ويكيليكس من خلال وثيقتين دبلوماسيتين صادرتين عن السفارة الأميركية بدمشق تؤكد ان النظام في سورية وفي مقدمته الرئيس بشار الأسد يعرضون خدماتهم على المسؤولين الأميركيين من خلال استعراض دوره في مكافحة الارهاب وكفاءة ومهارة مخابرات النظام في التعامل مع هذه التنظيمات السلفية وقدراتهم الخارقة على اختراقها والتغلغل فيها وكشف عملياتها حتى خارج سورية، فقد كشفت الوثيقة السرية الاولى الصادرة عن السفارة الأميركية في دمشق تفاصيل اللقاء الذي جميع الرئيس بشار الأسد مع وفد من الكونجرس الأميركي برئاسة السيناتور بنيامين كاردين والذي جرى في شباط 2009، وبحسب الوثيقة أعاد الرئيس بشار الأسد التأكيد على أن سورية ليست عدواً للولايات المتحدة وقال : ” لقد أنقذت أرواح الأميركيين “، وأوضح أنه في عام 2002 سلّم معلومات لملك البحرين حول هجوم وشيك على مواطنين أميركيين من قبل مثل هذه التنظيمات. وأضاف السفيرالسوري بواشنطن عماد مصطفى الذي كان يحضر الاجتماع أن وزير الخارجية كولن باول بعث برسالة يعرب فيها عن امتنانه لهذه المساعدة.
أما الوثيقة السرية الاخرى فهي برقية دبلوماسية للقائم بالأعمال الأميركي بدمشق تشارلز هنتر، ورد فيها أن مدير إدارة المخابرات السورية اللواء علي المملوك ظهر فجاءة في الاجتماع الذي كان يعقده وفد أميركي برئاسة منسق مكافحة الإرهاب في الإدارة الأميركية دانيال بنجامين مع نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد والسفير السوري بواشنطن عماد مصطفى في 18 شباط 2010، وإن المقداد فسر ذلك بأن الرئيس بشار الأسد طلب من اللواء المملوك المشاركة في الاجتماع كبادرة إيجابية تلي الاجتماع الذي عقده قبل ذلك بيوم واحد الرئيس بشار الأسد مع مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليم بيرنز، وشدد المقداد على أن الاجتماع ليس بداية لتعاون في مجال الأمن والاستخبارات بين سورية والولايات المتحدة, فالمداولات قد تكون نقطة انطلاق لتعاون محتمل بين الطرفين في المستقبل.
الا أن منسق مكافحة الارهاب في الادارة الأميركية دانيال بنجامين شدد على أن التعاون في جهود مكافحة الإرهاب جزء ضروري من خارطة طريق تحسين العلاقات الثنائية على الرغم من أن هنالك قضايا خلافية ولكن يجب على البلدين مواصلة العمل للتعاون على التهديدات الماثلة أمام كل من الولايات المتحدة وسورية وبينها انتشار الجماعات التكفيرية في المنطقة.
وكان المملوك والمقداد والمصطفى يصغون بانتباه خلال الشرح الذي قدمه المسئول الأميركي.
وورد في البرقية أن اللواء المملوك تحدث عن العلاقة بين التقدم في الموضوعات السياسية الخاصة بالعلاقات السورية الأميركية والتعاون المحتمل في مجالي الأمن والاستخبارات ونوه في المقابل إلى أن تجربة 30 عاماً من قتال الجماعات المتطرفة في سوريا مثل جماعة الإخوان المسلمين تعطي دليلاً على التزام سورية بمكافحة الإرهاب.وأكد على ان سورية كانت أنجح من الولايات المتحدة والدول الأخرى في المنطقة في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية قائلاً : ” لأننا كنا عمليين لا نظريين ” وأرجع نجاح سورية في ذلك لقدرة مخابراتها على التغلغل داخل تلك الجماعات وقال : ” من حيث المبدأ نحن لم نهاجمهم أو نقم بقتلهم على الفور نحن نقوم باختراقهم ونقوم بالتحرك في الوقت المناسب “.ووصف عملية اختراق الجماعات الإرهابية وزرع عملاء داخلها بأنها معقدة اذ أن تلك العملية أدت إلى اعتقال عدد من الإرهابيين وتفكيك خلايا ومنع المئات منهم من التسلل إلى العراق.
وبناءً على ما تقدم فان وثيقتي ويكيليكس تكذب وتفضح نظام الرئيس بشار الأسد اذ تبين انه في الوقت الذي يستعرض أمام المسؤولين الأميركيين دور نظامه في مكافحة الارهاب وامكانات مخابراته الخارقة في القدرة على التعامل مع التنظيمات السلفية وكشف عملياتها حتى خارج سورية، فانه فجاءة يناقض ويكذب نفسه ويتهم المحتجين ضد استبداده وفساده بانهم منها، ومن ثم يستحق ان يقال عنه انه نظام كذاب بامتياز.