نعم.. هي مؤامرة ولكن ضد الشعب السوري
نائل بلعاوي
مفردة غامضة .. مؤلمة ولئيمة، لا تعثر عليها الا وعليك ان تنتظر ما سيتبعها من هرطقات تتجاوز، عادة، حدود الفانتازيا الارضية وعناصرها الممكنة، لتدخل، عنوة، تلك الدهاليز الغامضة للعقل البشري وما يسكنها، هناك، من تصورات وعوالم غير ارضية وغير ممكنة، ولا يمكن مقاربتها الا بأفلام التخييل العلمي، حيث يمكن للادمي أن يصعد، عبرها، على دراجة نارية الى سطح القمر..
شقية وشاقة هي مفردة المؤامرة هذه، سطحية بقدر ما هي خبيثة .. مسلية بقدر طاقتها على الايذاء، وخفيفة، بقدر خفة عشاقها، وهم كثر، على استجداء اللاممكن… المستحيل بعينه، ومده بجسد وروح. وصادمة صارخة هي المفردة/ الفكرة تلك، تداعب، ما استطاعت، خلايا العقل الاكثر هشاشة واستعدادا، بالتالي، للتسليم بما يعرض عليها من حكايات واوهام ،لا تجانب الحقيقة دائما، فحسب، بل تبحث عن حقائق فعلية وجادة تسند اليها مهمة انتاج / حقائق / جديدة تؤكد صحة ما تقترح، فحينها، يمكن لفعل الصدمة المنشود ان يحقق اغراضه ونتائجه المحببة : تحييد ادوات التفكير المنطقي وتوجيه الشعور الفردي والجمعي نحو خلاصات بعينها… حقائق بعينها، صارخة، كما يفترض، وحاسمة في أن.
في عالم المؤامرة العجائبي، المنشود، يتماهى اللاممكن والمستحيل من الافكار والدلالات، مع الممكن والمقبول منها، تتداخل الحقائق بنقائضها، كما تمتزج الرغبات، على اشكالها ودوافعها، بالحدث الاصلي / الواقعي، لينتجا معاَ: / حكاية كاملة / متينة، كما تبدو من الخارج، وذات مصداقية عالية كما تقدمها وسائل الاعلام، ولكنها في المقابل، وعند تشريحها وتفكيك بنيتها : ليست سوى دراجة في طريقها للقمر، أذ لا ينقصها الا القليل من المنطق والاقل، من حكمة المتلقي، لبيان خفتها وميوعة بنيانها. .
هكذا هو حال المؤامرة، الرغبة والفكرة، التي تكفل التاريخ المكتوب بتقديم ما هب ودب من نماذجها، وهو حالها الان، بالضبط، مع النظام السوري المشغول، منذ انطلاق الثورة في اذار/مارس 2011 وحتى اللحظة، بمحاولة اقناعنا بشرور تلك المؤامرة التي تحاك ضده وضد حضوره / العبقري / في جغرافيا وثقافة المنطقة، مستندا، كما يجدر بفكرة المؤامرة الذكية ان تكون، الى بعض الحقائق التالية : اولا، تلعب الولايات المتحدة الامريكية، في العالم العربي تحديدا، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، دورا لا يمكن وصفه، وعلى كافة الاصعدة، الا بالقبيح والشرير، انها التمثيل الاقصى للراسمالية حين تكشف عن مخالبها وتسنها وتبحث، انسجاما مع مصالحها الاقتصادية المعلنة، عن المواضع المناسبة والضعيفة لغرزها، ولان العالم العربي التي ساعدت هي على صعود وتثبيت انظمته / الوطنية / الفاسدة والشمولية، لانه يعج، مثل جسد عليل بالمطلق، بمواضع الضعف المخجلة تلك، فقد تحول، مع الوقت ولا حدود متاعب العيش، الى مجرد سوق امريكية عملاقة… تتلقى ولا تنتج.. تتبع ولا تبدع، وترعى اوهامها.. عجزها، وتندب القدر.
ثانيا: هناك حقيقة صارخة وفجة يمثلها الاحتلال الاسرائيلي الذي طال، اكثر بكثير مما يحتمل، لفلسطين، انه الاحتلال وبكل ما يمثله المعنى وما يقود اليه : تدمير حيوات البشر.. خلق المتاعب وتعميقها.. الى اخر ما هو معروف من مصائب واوجاع، تنسجم، بالمجمل، مع تجليات الحضور الامريكي في المنطقة وبقاء الانظمة المستبدة.
الى تلك الحقائق / العناوين اللافتة، يرجع النظام السوري، بلا كلل او ملل، ليغرف منها ادلته عن المؤامرة / التي تنسج من حوله /، فهو الواقف، مثل سد منيع، في / وجه مشروع الهيمنة الامريكية في المنطقة /، وهو: / حامي حمى المقاومة التي تقارع اسرائيل وتعمل على تحرير فلسطين /، مع ان الهيمنة الامريكية، من ناحية، مستمرة وبلا انقطاع على الرغم من ثبات النظام الممانع، منذ عقود اربعة في سدة الحكم، اذ يصعب على المرء، مهما تمتع من درجات الحياد الموضوعي، العثور على اثر واحد، لا في سورية ولا في دول الجوار، لتلك الوقفة الاسطورية في وجه الهيمنة المدعاة.
اما مقاومة، ودعم مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، من ناحية ثانية، فقد شاركت، هي الاخرى، بدفع القضية الفلسطينية، مع عديد المؤثرات الاخرى التي دفعتها، الى هذا الحضيض المفزع، وساعدت، بتاثير سوري مباشر، على تحويلها، فعلا لا مجازا، الى مجرد ورقة ممزقة بين مجموعة من الشلل، الفلسطينية، المهووسة برعاية مصالحها واسباب استمرارها، غير الاخلاقي، على حساب قضية، لا جذر اعمق اخلاقيا، من جذرها هي . .
حال القضية الفلسطينية وما الت اليه، هو نسخة، طبق الاصل، عن الحالة اللبنانية البائسة، فهناك ايضا، تمكن النظام السوري / ايراني المراجع والهوى، من انتاج نموذج عجائبي للمفاومة التي يمثلها حزب طائفي البنية والعقيدة، هو حزب الله، المهووس، بدوره، ببسط نفوذه، غير البريء، على الساحة اللبنانية… حتى لو قاده الامر، كما هو الحال الان، الى تمزيق البلد، ودفعه الى اتون الفوضى ومجاهل الحروب الخاسرة، السابقة، او تلك، الخاسرة، القادمة.
تلك هي المقاومة التي رعاها النظام السوري، وتلك، اعلاه، وبأختصار شديد، نتائجها المرئية التي نعرف، ولا يعرف النظام، في الوقت عينه: كيف يواصل تجميل قباحاتها وأقناعنا بخرافة انتصاراتها الاسطورية التي توجب، عنده، اجتماع الانس والجن على خلق مؤامرة تطيح بها وبعرابها في أن.
ولكنها / المؤامرة / يكرر النظام، وهي مؤامرة من الطراز الكوني الثقيل والماكر، ذلك النوع العصي على الكشف والتفسير، قالمؤامرة المعدة بمهارة حاذقة يصعب، كما يرى عشاق فكرتها، كشفها واثباتها، فكيف نكتشف، نحن البسطاء، خيوطها واسرارها، وكيف نعاند، الى هذا الحد، ولا نصدق النظام المسكين في دمشق…. وماذا لو تعقلنا الان، لحظات، وصدقناه… ماذا لو اتفقنا على ان هناك مؤامرة لاسقاطه، هو نبي المقاومة وراعيها، وهو الواقف في وجه الهيمنة الامبريالية، فكيف يجيب النظام عن السؤال المركزي العادي والمشروع، ذاك السؤال المستعاد، وها انذا اكرره الان : ما العلاقة الخفية، السحرية تلك، بين دعم المقاومة ورفع حصن الممانعة، في وقت يتزامن، وتزامن دائما، مع قمع الحريات العامة للشعب السوري ونهب ثرواته وتحويل البلاد، كل البلاد، الى سجن كبير وقبيح ؟
لا يجيب النظام ولن يجيب، فهناك مؤامرة وفقط، وعليه التصدي لها.. بالدم، بهذا القدر ما قبل البدائي من العنف والاستهتار بالحيوات والمصائر، وعلينا نحن أن نصدق.. ان نشارك في المذبحة، وعلينا، قبل هذا وذاك، ان لا نستفيد، نحن ايضا، من فكرة المؤامرة ونطرح، من وحيها تماما، هذه الاسئلة المريرة التالية : كيف نسمي قتل النظام المتواصل لشعبه منذ ربيع العام 2011 وحتى اللحظة؟ كيف نفسر امتناع الغرب، وليس تردده، عن اتخاذ مواقف جدية ونهائية، عسكرية ايضا، ضد النظام الوحشي، وهو امتناع متناغم بالضرورة مع رغبة اسرائيل بالحفاظ على جارها المسالم؟ وكيف وصلت بعض المجموعات الجهادية، غير المطلوبة او المرحب بها سورياَ ،وعبر ابواب الجيران، الى خنادق الثورة السورية؟ وماذا عن الدور الخفي لعديد انظمة الظلام العربية العاملة على وقف مشروع الانتقال السوري من حقب الاضطهاد الشمولي الى غد افضل؟ كيف نحلل ونترجم طلاسم المعارضة السورية التي تحولت، في الخارج، الى ثلة من المعارضات المستنزفة باضواء الاعلام ولعنات غياب الافق؟ وماذا عن الاعتداء الممنهج على كل ما ينتجه السوري، البعيد عن حضن النظام وثقافته البائسة، ويحلم بانتاجه ثقافيا واقتصاديا، ولعل الهجوم الاخير، على سبيل المثال لا الحصر، الذي تتعرض له رابطة الكتاب السوريين في الخارج، والتشكيك بنزاهتها ومصادر تمويلها، لعله التجلي الصارخ الان لذاك الاعتداء الكريه؟. وماذا… وكيف..؟ الا تستحق الاسئلة / الحقائق الجلية اعلاه أن توصف، هي الاخرى، بالمؤامرة؟ الا ينطبق عليها منطق البحث عن الايادي السوداء والاصابع الكثيرة العابثة بالحالة السورية برمتها.. اليست مؤامرة فعلا، مع فارق واحد ووحيد، يميزها، هذه المرة ،عن المؤامرة التي يتغنى بها النظام، هو فارق الادلة والمعطيات ولا حدود العذابات التي نؤكدها وتدل عليها….. هو الفارق الجلي بين الشيء وضده : بين هذا الفضاء السوري المعمد بالموت، وذاك الصعود الهمجي، غير الممكن والمستحيل للنظام، على دراجة نارية الى سطح القمر.
‘ كاتب من الاردن
القدس العربي