نفاق مثقفين عرب/ لميس أندوني
كنا دائماً نشكو من نفاق الدول الغربية، وخصوصاً أميركا، من مسألة حقوق الإنسان، والتي جرى إخضاعها، وبكل وقاحة، لحسابات المصالح والنفوذ، فأضحَت قيمة حياة الإنسان تُحسَب، أو تُشطَب، وفق حسابات السياسة، كبيرة أم صغيرة. لكن، ماذا عنا نحن؟ ولا أعني الأنظمة المتهرئة، بل أشير إلى مواقف المثقفين العرب، وأشباه المثقفين ومُدّعي ثقافة، صدقاً أو زيفا، بشأن حق الإنسان العربي من العيش بكرامة، أو حتى من حقه أن يعيش بدايةً.
فضحت الثورات العربية ما كان موجوداً. لكن، ما كنا ننكره، أو نتستر عليه، باسم الوطنية أحياناً، أو الدين أحياناً أخرى، وأغلب الأحيان كانت الحقيقة أبشع: فقد كان أغلبنا يؤيد، جرائم أنظمة وتيارات، أو يتعامى عنها، بذرائع مختلفة، بعضها نتيجة خوف حقيقي من استعمارٍ لم يختف، لكن، في معظم الحالات هي نتيجة قصور مفهومي للتحرر الذي يريد تحرير الأوطان، ولا يأبه بتحرير الإنسان. لكن، لنقلها بصراحة إن أغلبنا يؤيد جريمة نظامٍ يؤيده، أو تيار يتبعه، بل ويبررها ويدافع عنها، ويتصيّد جرائم، حقيقية أو غير حقيقية، لنظام أو تيار يبغضه، والأسوأ أننا نفعلها باسم الإنسانية والتقدمية أو الدين، انعكاساً لخلفياتٍ عقائدية أيديولوجية، والأنكى حين تكون تعبيراً لعلاقات مصلحية بحتة، وحتى قذرة.
نعم، صحيح أن الحكومات الغربية، وخصوصاً إمبراطورية العصر أميركا، تستعمل خروق حقوق الإنسان ذريعةً، ليس لغزو عسكري فحسب، بل لتدمير دول وأوطان، ولارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وخصوصاً ضد شعوبٍ تَدَعي أنها حشدت الأساطيل والجيوش لإنقاذها. لكننا فشلنا، في وضع الأنظمة، وخصوصاً التي ترفع شعارات المقاومة ومعاداة الصهيونية، تحت المساءلة، وكأن تحرير فلسطين، وهزيمة الهيمنة الأميركية، يبرّران قمعاً، أو تعذيباً، أو قتلاً بالمُفَرٌق والجملة. فشلنا وقصّرنا، خوفاً على سقوط أنظمة، رأينا فيها أمل المواجهة والمجابهة، فكان سقوط أوطان، وكانت انتصارات جديدة لعدو يتغذّى على تفتيتنا.
لا ننكر، هنا، تواطؤ أنظمة مهادنةٍ وتابعة، فكل مصيبةٍ في بلد عربي وجدت لها تمويلاً عربياً، ومشاركةً مباشرة أو غير مباشرة، في احتلالٍ أو تهجير، في إذكاء حرب أهلية أو طائفية، أنظمة لا تحترم حقوق الإنسان في بلادها، وتصرف على جماعات تقويض الثورات، باسم الدين والحق، وحتى نصرة الإنسان.
لكن، ذلك كله لا يلغي، تواطؤ المثقف، ولا يُقلل من خطر صمته، أو انبرائه للدفاع عن جرائم ومذابح، فالمثقف هو الأقدر على صياغة المسوغات، تحت غطاء فكري، وشعارات التحرر والتقدم، وحجة المنطق، لأي جريمة، يؤيدها، ويبررها لنفسه، قبل الآخرين.
جميعنا ضالعون، بحسن نية أو سوئها، في حمامات الدم التي أغرقت الإنسان العربي، لنا نظرياتنا وخطابتنا. لكن، إنْ لم نأخذ موقفاً واضحاً من جرائم الاستبداد، من أي نظامٍ كان، ومن مجازر التعصب الطائفي، أو الإثني، فلا خير فينا، ولا حاجة لكلماتنا، إلا من باب نفاق واعٍ، أو غير واعٍ بأنه مجرد نفاق. فلا تجزئة لحق الإنسان في الكرامة والحرية، وحق الحياة بدايةً ونهاية.