نقاش ايراني
ساطع نور الدين
حتى ايران لم تعد تحتمل ما يجري في سوريا، وصارت تجاهر باعتراضها او على الاقل بتحفظها عن سلوك الرئيس بشار الاسد الذي يقدم كل يوم المزيد من الادلة على براعته في فقدان الحلفاء والاصدقاء، وفي كسب الاعداء والخصوم.
ما ورد في الايام القليلة الماضية على لسان كبار المسؤولين الايرانيين لا يوحي فقط بان الازمة السورية بلغت مرحلة الخطر الشديد، بقدر ما ينبئ بان طهران اعلنت حالة الاستنفار القصوى، على الصعيدين السياسي وربما ايضا العسكري، للتعامل مع المفاجآت السورية المقبلة.. تماما كما هي الحال بالنسبة الى تركيا التي شكلت غرفة عمليات خاصة بالاعداد لمرحلة ما بعد النظام السوري الحالي الذي سعت بكل جهدها طوال الشهور الخمسة الماضية الى اقناعه بتفادي الانتحار، من دون جدوى، وأصبح رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان يعبر بطريقة فظة عن شعوره بالخيبة لخسارة صديق سوري حميم، سبق ان تقاسما واحدة من اهم الصفحات المشرقة في تاريخ العلاقات بين البلدين.
لم تصل طهران الى مرحلة اليأس من الرئيس الاسد، لكن الاشارات التي ترسلها الآن بشكل علني وصريح مثيرة للذهول فعلا، ولعلها من ابرز مظاهر الازمة السورية واخطرها: بعدما قدمت ايران كل ما تستطيع من مساعدات مالية ونفطية الى دمشق، بدأ النقاش داخل القيادة الايرانية منذ مطلع شهر رمضان حول ما اذا كانت فرص انقاذ النظام السوري باتت معدومة، وآن الاوان للتفكير، مثلما يفعل الاتراك، في البحث عن البديل. كانت هذه هي وجهة نظر الاقلية في مكتب المرشد آية الله علي خامنئي وفي بقية اجهزة السلطة. لكن التصريحات الايرانية الاخيرة تنبئ بان الغالبية الحاكمة لم تعد تعارض هذا التقدير. كما ان الانباء عن اتصالات ايرانية تجري مع المعارضة السورية في الخارج تشير الى ان ايران تتصرف الآن كدولة تود المحافظة على مصالحها الحيوية في سوريا بغض النظر عن شكل الحكم فيها.
ثمة اشارات عدة الى ان طهران تريد ان تحذو حذو تركيا، من دون ان تتصارع معها، بحسب الاعتقاد الشائع في اكثر من مكان، لانها تعرف يلا شك بعد خمسة اشهر من الانتفاضة الشعبية، حدود دورها السوري الذي لا يمكن ان يعادل بأي حال من الاحوال النفوذ التركي المقبل في سوريا. وفي اي قراءة متأنية للتصريحات الايرانية ما يدفع الى الاستنتاج ان طهران ربما تخطت انقرة نفسها في تقييمها للازمة السورية، لا سيما عندما هددت اسرائيل بالصواريخ اذا ما حاولت الاستفادة مما يجري في سوريا، وانذرت حلف الاطلسي بمستنقع اعمق من افغانستان والعراق اذا ما تدخل في سوريا، او عندما تحدثت عن خطر الفراغ في سوريا، وهو الاحتمال الذي لم يجرؤ اي مسؤول تركي على ذكره!
رب قائل ان طهران تسعى حاليا الى توفير شبكة امان للنظام السوري الذي لن تتخلى عنه وستظل تقاتل الى جانبه حتى اللحظة الاخيرة… مع علمها الاكيد بأن احدا لم يرجع من عملية انتحارية.
السفير