صفحات الناس

نقص الأدوية يهدد ملايين السوريين/ عدنان عبد الرزاق

 

 

دمشق –

أزمة أخرى تزيد حدتها على السوريين يوماً بعد آخر، لكنّها هذه المرة أكبر من طاقات التحمل التي أبداها السوريون في مواجهة الأزمات التي تضربهم منذ أربع سنوات، كونها تتعلق بالأدوية.

فمع توقف عمل عشرات مصانع الأدوية المحلية في سورية نتيجة الحرب الدائرة هناك منذ

اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011، ارتفعت أسعار الأدوية محلية الصنع بنسب تجاوزت الضعف، بينما ارتفعت أسعار الأدوية المستوردة بما يتماشى مع انهيار العملة المحلية (الليرة) والتي تراجعت من 48 ليرة للدولار قبل الثورة، إلى حدود 190 ليرة للدولار في الوقت الراهن.

ولم يقتصر الأمر على الأدوية، إذ رفع الأطباء من رسوم الكشف الطبي، بما يتماشى أيضا مع موجة ارتفاع الأسعار التي طاولت كل شيء في البلاد. فقد زادت قيمة الكشف الطبي إلى حدود 1500 ليرة في المتوسط (ثمانية دولارات) مقابل نحو 400 ليرة في المتوسط قبل الثورة.

وتهدد هذه الزيادة في الأسعار، حياة مئات الآلاف من السوريين الذين يعيشون في ظروف إنسانية صعبة. فحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، تقتل الحرب والأمراض عشرات الآلاف من السوريين، ويزيد عدد الأطفال الذين يحتاجون للدعم والعلاج الجسدي والنفسي على 5.5 ملايين طفل داخل سورية، بينما يرتفع عدد الأطفال اللاجئين خارج الحدود إلى أكثر من مليون ومائتي ألف.

ولعل في ما يردده السوريون في أمثالهم “فوق الموتة عصّة قبر” (ناهيك عن الموت هناك ضيق في القبر)، اختصارا لحالة الجوع ونقص الأغذية وتلوث مياه الشرب الذي يتعرض له من آثر البقاء في سورية على الهجرة والعيش على المساعدات في مخيمات اللجوء، ما انعكس، نتيجة الفقر والحصار، على سوريي الداخل عموماً وعلى الأطفال بشكل خاص، أمراضاً لم تعرفها سورية منذ خمسين عاماً، وفق ما يقوله أطباء ومتخصصون لـ “العربي الجديد”.

فقد انتشرت حالات سوء التغذية وشلل الأطفال والهزال، فضلاً عن تفشّي أمراض خطرة في عموم سورية، منها التهاب الكبد الوبائي الذي دقت وزارة صحة نظام الأسد له ناقوس الخطر، بعد اكتشاف أكثر من 800 حالة في دمشق فقط.

بيد أن الأمراض المعدية والأوبئة في المناطق المحررة، أكثر عددا وخطورة، نتيجة استنشاق الغازات التي تُرمى عبر الطائرات والبراميل المتفجرة، وإثر الحصار الخانق المفروض من قبل قوات الأسد والميلشيات المساندة له، ما دفع السوريين إلى شرب مياه ملوثة بفعل انقطاع المياه لأيام متواصلة، وعدم كفاية الغذاء بسبب قلة العرض وارتفاع الأسعار، بحسب ما يؤكد الطبيب ابراهيم شحود.

ويقول الطبيب شحود، من ريف إدلب المحرر لـ “العربي الجديد”: انتشرت أمراض خطرة لدى شريحة الأطفال في المناطق المحررة، منها القصور الكلوي والسل والحمى التيفية، ولا يمكن لما توفره وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة، من أدوية وأجهزة، أن يسد الحاجة المتزايدة والمخاطر التي تفتك بأولادنا، فما تم توفيره أخيراً من أدوية لمرض السل “العلاج الرباعي” نفد خلال أيام لأنه مخصص لنحو ألفي إصابة فقط، في حين هناك عشرات آلاف الإصابات المشتبه في أنها مرض السل.

وفي حين طمأن الطبيب شحود، لإمكانية محاصرة بعض الأمراض والسيطرة عليها، كالتهاب

الكبد الوبائي من النوع “إيه” من انتشاره الواسع في المناطق المحررة، حذر في الوقت نفسه من التهاب الكبد من نوعي “بي” و “سي” لأنهما يحتاجان لعلاجات مكثفة وينتقلان عبر التماس المباشر واستعمال الأدوات غير المعقمة. وما يزيد مخاوف الأطباء من هذه الفيروسات تحديدا هو عدم توفر الأدوية المكافحة لهما مثل “سليسيبت، و”بروغراف “، أو ارتفاع سعرها، والذي يتجاوز 4 آلاف ليرة، في حال توفرها.

وكانت منظمة “أطباء لحقوق الإنسان” قد اتهمت أخيرا قوات بشار الأسد باستهداف المستشفيات والعاملين في القطاع الطبي، وقتل 610 أطباء وعاملين في المجال الطبي منذ اندلاع الثورة السورية، من خلال عمليات قصف وقنص وتعذيب، أو عبر استهداف المستشفيات والعيادات والعاملين في المجال الطبي “بشكل منهجي” وعلى نطاق غير مسبوق في تاريخ الحروب الحديثة.

وجاء في تقرير المنظمة، الذي صدر في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، أنه خلال السنوات الأربع الماضية، قُتل 610 من العاملين في المجال الطبي، من بينهم 139 تعرضوا للتعذيب أو أعدموا.

وحمّل التقرير قوات الأسد مسؤولية 97% من عمليات قتل العاملين الطبيين. ووثق التقرير أيضاً 233 هجوماً ضد 183 مستشفى وعيادة جرت في الفترة الأخيرة بواسطة البراميل المتفجرة.

وهو ما أكده الطبيب ابراهيم شحود بقوله: نعاني من قلة الكوادر الطبية والأجهزة المخبرية للكشف على الأمراض، حيث نعالج معظم الاصابات في المشافي الميدانية وبطرائق بسيطة.

وتعاني سورية من نقص كبير في الأدوية وارتفاع في أسعارها بعد أن هدمت الحرب البنى الصناعية للمنشآت الطبية.

فبعد ازدهار صناعة المستحضرات الطبية في سورية وتصدير الدواء إلى 54 دولة في العالم عام 2010 ودخل الدواء السوري أسواق أوروبا وبلغت صادرات سورية الدوائية 210 ملايين دولار، واحتلت عربيا المرتبة الثانية بعد الأردن الذي بلغت صادراته 370 مليون دولار، تعاني اليوم من نقص حاد من الأدوية وارتفاع الأسعار بين 3 و5 أضعاف ما كانت عليه.

وأوضح شحود لـ “العربي الجديد” أن الأطفال السوريين الذين لم يموتوا عبر القصف أو لم تتسبب الحرب في أمراض نفسية وإعاقات جسدية لهم، يعانون من إصابات مرضية وأوبئة، كما يتعرض أطفال المناطق المحررة للاستغلال خلال رحلات علاجهم وذهابهم للمناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد” مركز مدينة إدلب” حيث تزيد معاينة الطبيب عن 1500 ليرة والأدوية عن 5000 آلاف ليرة، ما دفع بكثير من الأهالي لإحضار أطفالهم إلى المشافي الميدانية والقبول بالمسكنات أو العلاج “بما يتوفر من أدوية وإسعافات أو عدم معالجتهم في

كثير من الأحيان”.

وفي أغسطس/آب 2013، رفعت الحكومة السورية أسعار الأدوية المصنعة محلياً بنسبة 50% عن السعر القديم بناء على طلب معامل الأدوية جراء ارتفاع أسعار الدولار مقابل الليرة السورية.

ونقلت وسائل إعلام سورية، أن اللجنة الاقتصادية الحكومية، وفقت، في حينها، على زيادة أسعار الأدوية في الأسواق المحلية بنسبة 50% للأدوية التي سعرها مائة ليرة سورية وما دون، وهي تمثل نحو 50% من مجمل المستحضرات المصنعة محلياً. و25% على أسعار الأدوية التي سعرها يزيد على مائة ليرة سورية.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى