نقطة التحوّل السورية
إيتامار رابينوفيتش
تستفحل الأزمة السورية منذ آذار 2011. بعد أشهر عدّة من التظاهرات الهادئة في معظمها، والتي ترافقت مع قمع عنيف، ظهر نموذج معيّن. فالمعارضة السياسية – المنقسمة وغير الفاعلة – تعزّزت بفعل ظهور جناح عسكري هجين وفضفاض يعمل تحت اسم “الجيش السوري الحر”، وكذلك من خلال مئات الجهاديين الذين دخلوا سوريا عبر الحدود القابلة للاختراق، وبدأت تشن أعمالاً عسكرية ونشاطات إرهابية. لم تستطع المعارضة، السياسية والعسكرية، إطاحة النظام، ولم يتمكّن النظام من سحق المعارضة.
أفاد النظام من الدعم الناشط للطائفة العلوية والموقف السلبي للأقليات الأخرى، وكذلك للبورجوازية في دمشق وحلب، والتي يخشى أعضاؤها سقوط النظام وحلول الإسلاميين أو مجموعات راديكالية أخرى مكانه. في الخارج، أدّت روسيا وإيران دور الداعمتَين الأساسيتين للنظام، في حين قدّمت البلدان الغربية وتركيا والدول العربية مثل السعودية وقطر، دعماً محدوداً لمختلف المجموعات المعارضة.
عسكرياً، كانت المعركة متعادلة، لكن النظام استمرّ في الخسارة في السياسة. بدت آلة الحكومة المركزية سليمة لم يمسّها أي ضرر، واحتفظت الحياة في دمشق وحلب بمظهر يوحي أن الأمور طبيعية، لكن النظام راح يفقد السيطرة على مزيد من المناطق. وتفاقمت الأوضاع بفعل اندلاع حرب أهلية مذهبية بين العلويين والسنّة، وبلغت أوجها في ارتكاب مجازر مروّعة عدة.
وقد دارت المعارك المذهبية الأسوأ في السهول الواقعة شرق معاقل العلويين في الجبال، مما أثار شكوكاً بأن العلويين يستعدّون للتراجع إلى مسقط رأسهم في حال انهيار النظام، ويحاولون توسيع المنطقة الخاضعة لسيطرتهم.
لقد انتهى هذا الاستنزاف المطّرد، مع التحاق ضباط كبار في الجيش وسواهم من المسؤولين بالمعارضة بأعداد متزايدة. لقد أضعفت هذه الانشقاقات النظام، وعزّزت المعارضة، ووجّهت رسالة بأن الانهيار محتوم. وهذا ما فعله أيضاً الإنجاز الكبير للمعارضة التي ضربت عمق المؤسّسة الأمنية، فقتلت ثلاثة من أهم معاوني بشار: صهره آصف شوكت، ووزير الدفاع السابق حسن التركماني، وخلفه داود راجحة.
في الوقت نفسه، انتشرت المعارك الفعلية في قلب دمشق. في مؤشّر مهم، وفي حين سعى النظام سابقاً إلى التقليل من شأن التحدّي الذي تطرحه المعارضة، أفرد التلفزيون الرسمي السوري تغطية واسعة للقتال في دمشق. يبدو أن الرسالة هي أن وقت القرار يقترب.
لا يزال من المبكر جداً توقّع انهيار وشيك للنظام. لقد تلقّى ضربة قاصمة، لكنه لا يزال واقفاً على قدمَيه، وقد ردّ بسرعة على اغتيال ثلاثة من أركانه، فلم يهدر الوقت في تعيين وزير دفاع جديد. لا تزال معظم القوى التي أبقت النظام في مكانه في الأشهر الستة عشر الأخيرة موجودة، ولا تزال المعارضة منقسمة، ولا تزال الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون يتردّدون في ممارسة ضغوط كاملة على حكومة الأسد.
لكن النهاية تقترب، ويجب التفكير جدّياً في مخاطر عدة هي من صلب الوضع السوري. ففي غياب معارضة فاعلة ومنظّمة كما يجب وتحظى بالاعتراف الدولي، قد تقع فوضى عارمة بعد سقوط النظام، وكذلك حرب أهلية مذهبية شاملة، ويمكن أن تظهر حركات انفصالية ويتم تقسيم البلاد بحكم الأمر الواقع.
قد تهرب أعداد كبيرة من اللاجئين إلى الدول المجاورة التي قد تُجَرّ إلى النزاع. ويمكن أن تنتشر الفوضى والقتال بسهولة إلى دول مجاورة ضعيفة مثل العراق ولبنان. ولا شك في أن تركيا التي تخشى دائماً التأثيرات على سكّانها الأكراد، هي مرشّحة أساسية للتدخّل.
التهديد الآخر الذي يلوح في الأفق هو إمكان وقوع مخزونات الصواريخ والأسلحة الكيميائية التي يملكها نظام الأسد في الأيدي الخطأ، أو نقلها إليها. لقد اعتمدت إسرائيل موقفاً حذراً حتى الآن، لكنها لفتت إلى أنها لن تبقى مكتوفة الأيدي إذا وصلت هذه الأسلحة إلى “حزب الله”. ولا يمكن أيضاً استبعاد فكرة أن النظام قد يسعى إلى الرحيل بأبّهة فيرتكب عملاً يائساً أخيراً.
تقتضي هذه المخاطر تحرّكاً دولياً أكثر فاعلية وتنسيقاً إلى حد كبير للحؤول دون تحوّل النزاع الداخلي في سوريا أزمة إقليمية ودولية خطيرة. الوقت يداهم.
ديبلوماسي اسرائيلي سابق موقع (بروجكت سنديكايت)ترجمة نسرين ناضر
النهار