صفحات العالم

نقطة تحوّل في الأزمة السورية؟


سيريل تاونسند *

ظننتُ على مدى 16 شهراً أنّ عملية إسقاط الرئيس بشّار الأسد ستكون عملية طويلة وبطيئة وأنّه لا يجوز مقارنتها بليبيا. فالرئيس السوري يحظى بدعم جيش معظم قياداته علوية ويواجه معارضة منقسمة في العمق. ويجب أن نتوقّع حصول المزيد من التعذيب ومن الدمار ووقوع المزيد من الإصابات والقتلى.

إلا أنّ تفجير مقرّ خلية الأزمة العسكرية في دمشق في 18 تموز (يوليو) الماضي الذي أدّى إلى مقتل أربعة من كبار المسؤولين العسكريين والمستشارين المقرّبين من الرئيس شكّل على ما يبدو بعد أسابيع قليلة على حصوله نقطة تحوّل بالنسبة إلى نظام الأسد. إذ تدعم المعركة القريبة من وسط دمشق والمعركة القاسية والدامية الدائرة في حلب التي تعدّ المدينة الثانية في سورية، هذه الفرضية.

وفوجئنا حين تقدّم خالد الأيوبي، المسؤول الأول في السفارة السورية في لندن بطلب لجوء سياسي من وزارة الخارجية البريطانية في 30 تموز (يوليو). وكان الرئيس الأسد قد أعفى السفير السوري من مهامه في السفارة. إلا أنّ رحيل القائم بالأعمال السوري، في الوقت الذي قدم ألفا صحافي إلى لندن لتغطية الألعاب الأولمبية، يعدّ رمزياً. فهذه السفارة العربية كانت هي الرابط بين زوجة الأسد أسماء وعائلتها التي تقيم في غرب لندن.

ويوماً بعد يوم، تزداد لائحة المنشقين. شكّل انشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب في 6 آب (أغسطس) تطوّراً مفاجئاً. والعميد مناف طلاس كان يعرف الرئيس الأسد منذ صغره وينظر إليه كزعيم محتمل للمعارضة التي تقف في وجه الرئيس. ولجأ السفير السوري القوي في بغداد نواف الفارس إلى قطر. ومنذ أسابيع قليلة، انشق ثلاثة ديبلوماسيين آخرين عن النظام.

وفي لندن، صرّح شخص يراقب ساحة الأحداث عن كثب لصحيفة «التايمز» إنّ «النظام بات يشعر بالعزلة. فقد أغلقت السفارات أبوابها في دمشق وتمّ إلغاء كل الرحلات المتجهة إليها. وبدأ الديبلوماسيون السوريون الذين لا يزالون يمارسون مهامهم يفكّرون في الرحيل الآن قبل فوات الأوان». ومن المؤكّد أنّ مناصري النظام سيدركون المخاطر التي يوشكون على مواجهتها في حال بقوا في الجانب الخاسر. وبعد المعاناة وإراقة الدماء التي شهدتها الأشهر الأخيرة، سيكون هذا الموقع سيئاً.

وانشق آلاف الجنود عن الجيش السوري القوي والمجهّز بالمعدات ولم يعد ممكناً الاعتماد على المجنّدين السنّة في هذه الأيام لفتح النار على إخوانهم غير المسلحين. وفي 10 حزيران (يونيو)، انشقت كتيبة دفاع جوية تضمّ مئة جندي عن الثكنات القريبة من قرية تلبيسة الواقعة غرب سورية وأخذوا أسلحتهم وقنابلهم معهم.

وأدى تراجع معنويات الجيش السوري الذي يضمّ ظاهرياً 300 ألف جندي، إلى الاستعانة الدائمة بالفرقة المدرعة الرابعة وبالحرس الجمهوري الذي يقع تحت إمرة شقيق الرئيس الأصغر ماهر الذي يملك نفوذاً كبيراً. وتمّ تحميل الشبيحة أو ميليشيا الحكومة التي لم تعد تحت سيطرة مُحكمة مسؤولية الأعمال الوحشية التي ارتُكبت.

وتعطي التقارير حول المعارك الدائرة في دمشق وحلب انطباعاً بأنّ جيشين يواجهان ويحاربان بعضهما بعضاً في إطار معارك مخطط لها. لكن الحقيقة أن مجموعات مسلحة تنفّذ هجمات كر وفر بواسطة الدبابات التي استولت عليها ضد الجيش السوري. وتفتقر هذه المجموعات إلى الأسلحة إلا أنها تحصل تدريجياً على الموارد والكميات اللازمة من الذخائر لا سيّما عن طريق تركيا. أما الجيش النظامي فيستخدم الطائرات المروحية والدبابات والمدافع في مناطق سكنية. ويتمّ تزويده بمعدّات حديثة من روسيا.

وحين ستتمّ كتابة تاريخ هذه المعركة، من الواضح أنّ روسيا ستحظى بدور أساسي فيها. وفي رأيي أساءت موسكو الحساب وستدفع الثمن غالياً تماماً كما حصل حين دعمت العقيد معمّر القذافي.

يصرّ الرئيس فلاديمير بوتين على دعم الرئيس الأسد الذي لا يزال يعتبره الحليف العربي للاتحاد السوفياتي الأسبق، كما كان والده. وخلال مناسبات ثلاث استخدمت روسيا حقّ النقض (الفيتو) ضد مشاريع قرارات في مجلس الأمن تدعو إلى زيادة الضغوط على نظام الأسد. وتخشى روسيا أن يدعم الغرب تغيير النظام لا سيّما أنها تذكر جيّداً ما حصل في العراق وليبيا. فقد بدا الثوّار عاجزين على طول الساحل الليبي، عن السيطرة على الأراضي التي استولوا عليها من دون الغطاء الجوّي الذي وفّره حلف شمال الأطلسي. ويتعرّض الرئيس بوتين لضغوط سياسية متزايدة في روسيا.

ويبدو الكرملين قلقاً على مستقبل مدينة طرطوس، القاعدة البحرية السورية حيث تواجدت البحرية الروسية في المتوسط على مدى عقود. وتمّ إعلام الروس بالحاجة إلى حماية أمن روسيا ومصالحها الاقتصادية في سورية غير أنّ روسيا يمكن أن تجد نفسها في نهاية المطاف من دون شريك تجاري. ويعاني الاقتصاد السوري بعد 16 شهراً من القتال فوضى عارمة. ولا يرتبط الروس بعلاقات جيّدة مع العالم العربي. فالمملكة العربية السعودية مثلاً غاضبة من روسيا. وتملك موسكو أكثر من تركيا مفتاح وقف إطلاق النار في سورية.

* سياسي بريطاني ونائب سابق

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى