صفحات سوريةمصطفى اسماعيل

نكتة سخيفة اسمها الدستور


مصطفى إسماعيل

قطعت الثورة السورية حاجز الأحد عشر شهراً، برصيدها من الضحايا والمعتقلين والمهجرين والمطلوبين للمخابرات والمدن المنكوبة والأزمة الإنسانية في العديد من مناطق البلاد، ولم يتمخض عن هرم النظام سوى مشروع دستور هزيل، ينظر إليه في أحسن الأحوال على أنه مجرد فضلات ولا يمت للإصلاح الذي لا يستهوي أحداً بدوره – بصلة رحم.

مشروع الدستور مطروح على الاستفتاء يوم الأحد 26 فبراير، وهو يوم – كما يبدو – ليس مسجلاً على مفكرات السوريين، لأنهم منشغلون بانتظار الحرية وترتيب الأجواء لها، ولم تعد القوانين والدساتير اللوياثانية تساوي (نكلة) قياساً إلى التضحيات الهائلة على مدى أشهر ضوئية، لقد خبر السوريون النظام وحزمة قوانينه ومراسيمه التشريعية ودستوره النافذ خلال عقود فوجدوها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، فلو طبق النظام بعض مواد الدستور النافذ منذ 1973 لكانت سوريا كسويسرا أو كأية دولة أخرى في بلدان المقعد العالمي الأمامي.

الاستفتاء على الدستور الجديد هو سخرية من السوريين وثورتهم ومكابداتهم خلال هذا البرزخ الممتد منذ 15 مارس / آذار 2011، هو محاولة جديدة لإرجاع عقارب ساعات السوريين والبلاد القهقرى بعد كل هذا الدم المراق على مذبح الحرية، ومحاولة لتعليب خط الأفق أمام السوريين، ومصادرة نفير حناجرهم الباذخة، فلو كان النظام جاداً يوماً في الخروج على السوريين بدستور جديد أو حزمة قوانين عصرية جديدة لأطلقها من مصباحه السحري قبل الطوفان السوري العظيم في الأرض التي تم تطويبها باسم القائد الضرورة والحزب الضرورة والأجهزة الأمنية الضرورة، لم يك إطلاق دستور جديد من منصة السلطة يحتاج إلى كل هذه الدبابات والمدافع والرشاشات والشبيحة، لم يك الدستور الجديد يحتاج إلى ختم البلاد بالشمع الأحمر والقلق الأحمر واستئصال الحناجر ونحر السوريين وإيقاد النيران في مراكبهم الشراعية الجميلة التي تمخر في شوارع وأزقة وساحات سوريا من فروة رأسها وحتى أخمص قدميها منذ مارس / آذار آخر.

لم يك دستور جديد للبلاد يحتاج سوى سوريين جميلين وعزَّل على طاولة واحدة، ولكن سوريين من لحم ودم، بآذان تلتقط نبض الشارع السوري وذبذباته، وقلوب مستعدة للهجرة إلى السوري الآخر المختلف، وبأصابع لم تضغط يوماً على زناد مسدس ماء حتى، لكن النظام الحاكم في سوريا أثبت أنه مذيع في برنامج (ما تطلبه روسيا والصين)، وتعامل مع مطالبات الداخل خلال عقود ولا سيما منذ دوران محرك الثورة بأذن من طين وأخرى من عجين، ووفقاً للقاعدة الشهيرة التي كانت تكتب بداخل حافلات أيام زمان (باصات الهوب هوب) : لسنا مسؤولين عن فقدات الأمتعة والحريات والأرواح والأنفس داخل الباص (محوَّرة طبعاً).

الدستور الجديد مستنسخ من القديم كما النعجة دوللي، ولكن بمزيد من عمليات التجميل والمكياج، وعدم قابليته للشهيق والزفير في بلاد مصرة على ارتكاب ربيعها وارتكاب زقزقتها خارج البوطقراطية الوبيلة والدعسقراطية الوبيلة، ولم ترق لي في هذا الصدد – عبارة أحد الأصدقاء القائلة : لا فرق بين الدستور الجديد والدستور القديم إلا بالتقوى.

لن يتوجه السوريون إلى مراكز التصويت على الاستفتاء، فهم مستعدون للدخول إلى غرف الغاز، وليسوا مستعدين للدخول إلى مراكز التصويت، لم يعد السوريون يأبهون بغير الثورة والتظاهر كامل الدسم، ولا ينتظرون نصوصاً إلهية جديدة، وأرداف السوريين (ذكوراً وإناث) لم تعد مهيأة لحقنات إضافية من الدولة البوليسية، كما أن السوري العظيم اليوم قرر ألا يلدغ من دستور مرتين.

لن يتوجه السوريون إلى مراكز الاستفتاء، ومقاطعة الاستفتاء واسعة كسراويل جداتنا (رحمهم الرب وأوسع لهم في جنانه)، لكن الدستور الجديد سينجح بنسبة مئوية سياحية 101 %، لأن صندوق الاقتراع في سوريا حاملُ. وفي شهره التاسع دائماً .

إصدار دستور جديد والاستفتاء عليه في سوريا التي بلغ فيها الدم الركب هو نكتة سخيفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى