صفحات العالم

نهاية الأزمة السورية


علي الغفلي

يجني نظام بشار الأسد في المرحلة الحالية مردود ثلاث أدوات دأب على استخدامها منذ اندلاع الثورة الشعبية في سوريا . فمن جهة أولى، استمر النظام يصور استخدام الأدوات العسكرية لقمع احتجاجات الشعب في المدن السورية المختلفة على أساس تبرير مكذوب، وهو أنه يواجه جماعات إرهابية مسلحة تهدد النظام والسلم في الدولة . ومن أسف، فإن هذا النظام قد نجح في الحصول على موافقة كل من روسيا والصين ضمنياً على هذا التبرير الملفق، حين تكرر هاتان الدولتان القول إن إيقاف العنف في سوريا هي مسؤولية كافة الأطراف وليس النظام الحاكم فقط .

ومن جهة ثانية، استمر نظام الأسد يمارس العنف العسكري المفرط ضد المدنيين السوريين، من دون أن يأخذ في الحسبان الخسائر البشرية التي ظل يصنعها منذ نحو ثلاثة عشر شهراً، فسقط نحو ثمانية آلاف قتيل ووقع عشرات الآلاف في الاعتقال . لقد وقع المجتمع الدولي في المأساة التي نصبها نظام الأسد، حيث إن هدف القوى الدولية قد تحول حالياً إلى وقف العنف في سوريا ووضع حد لأعمال القتل والتدمير، وهذه هي تحديداً المهمة التي يسعى إلى إنجازها كوفي عنان، ولا يبدو أن الاهتمام الآن منصب على هدف إزالة نظام بشار الأسد، وهو الهدف الذي نشبت الثورة الشعبية من أجل تحقيقه أصلاً .

ومن جهة ثالثة، ظل نظام الأسد يراوغ ويماطل في أكثر من شأن يتعلق بإدارة الأزمة السياسية في سوريا . فهذا النظام يتحدث عن حزمة من الإصلاحات السياسية، التي يعلنها على مهل شديد، ويجدولها بصورة أقرب إلى التراخي العبثي، ويسوقها بشكل يستفز الجميع يجعلها مدعاة للسخرية، من دون أن تحمل أي مستوى من الثقة سواء في جديتها أو جدواها . كما أن هذا النظام يبدي استعداداً حذراً ومحسوباً في التعامل مع الضغوط الدولية التي يتعرض لها بخصوص التعامل مع الأزمة السياسية التي تعصف بسوريا، وذلك إلى الدرجة التي يبدو من خلالها ناجحاً إلى حد بعيد في مراوغة كل من مجلس الأمن والمبعوث الدولي كوفي عنان . يجيد نظام الأسد لعبة المراوغة ويعرف كيف يستفيد من المميزات التي توفرها له، وذلك إلى الدرجة التي تستدعي الشك في صحة المقولة التي أعلنتها أكثر من عاصمة غربية بأن أيام الأسد صارت معدودة، إذ إن واقع تطورات الأزمة السورية لا يشير إلى أن النظام في طريقه إلى زوال قريب .

ما الكيفية التي ستؤول إليها نهاية نظام حكم بشار الأسد في سوريا؟ لا توجد إجابة سهلة عن هذا السؤال، خاصة في ضوء الخليط المعقد الذي تعكسه حالة الأزمة السورية، الذي يشمل طول أمد الثورة الشعبية، وعنف قمع النظام للاحتجاجات، وضعف سجل إنجازات المعارضة السورية، وطبيعة التدخلات الدولية في التأثير في كل من مسار الثورة ونتائجها النهائية .

يمكن الاعتقاد أن هذا النظام سوف ينهار في يوم قريب ليلحق بنظم الحكم العربية الأربعة التي انهارت خلال العام الماضي، ولكن الواقع يقول إن الدعم الذي يتلقاه هذا النظام من روسيا والصين وإيران، يحرص تحديداً على منع نظام الأسد من الانهيار بكل الوسائل الممكنة، ويبدو أن حرص هذه الدول الثلاث على بقاء النظام السوري لا يقل عن تمسك هذا الأخير بالبقاء في السلطة . ويمكن الافتراض أن هذا النظام سوف ينسحب بشكل طوعي من السلطة بهدف وضع حد لأنشطة القتل والتدمير في البلاد، ولكن ليس من المحتمل أن تتحقق هذه النهاية المفترضة بشكل جدي في ضوء حقيقة أن نظام الأسد قد استثمر على مدى أكثر من عام في أعمال العنف الشامل ضد المواطنين بهدف الاحتفاظ بموقعه على قمة هرم السلطة السياسية، ولم يعد مقبولاً لديه أن ينسحب طوعاً من دون أن يجني حصاد هذا الاستثمار المشين . ويبقى الافتراض الثالث، وهو أن يعمد نظام بشار الأسد إلى عقد صفقات توافقية مع فصيل من القوى السياسية المعارضة، تهدف إلى إعادة صياغة مؤسسات نظام الحكم بالشكل الذي يستوعب مطالب التغيير، ويستوفي متطلبات الإصلاح، ويلبي الحاجة إلى الانتقال الديمقراطي، ولكن هذا المسار يضع العبء السياسي على كل من النظام والمعارضة من أجل تقديم التنازلات المطلوبة التي تستوجبها صفقات إنهاء الثورة والاستحقاق الديمقراطي .

تضيف الاعتبارات الدولية المزيد من التعقيد على الأزمة السورية، وهي تجعل الحديث عن نهاية هذه الأزمة أمراً مربكاً . هل يصح القول إن الثورة السورية يجب أن تنجح، وذلك لأن نجاحها سوف يسهم في إضعاف النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط؟ إن الربط بين زوال نظام الأسد من جهة وتقليص نفوذ إيران من جهة أخرى هو رجاء راجح، ولكن استخدام الثورة الشعبية كحلقة وصل بين الأمرين يشي بالاستعداد لتقديم المزيد من الضحايا من بين أفراد الشعب السوري لتحقيق هدف يتعلق بالمصالح الاستراتيجية للدول العربية والغربية في المقام الأول، ولا يصمد هذا المنحى بطبيعة الحال أمام الانتقاد على أسس أخلاقية وإنسانية . هل من الممكن أن يتقبل المجتمع الدولي احتمال أن يستمر نظام الأسد في ممارسة الحكم على قمة هرم السلطة في سوريا في حال فشلت الثورة الشعبية في تحقيق هدف إسقاط هذا النظام؟ إن نجاح معطيات القوة الواقعية التي يمتلكها النظام السوري في فرض بقائه على سدة الحكم منقوص أو مفتقد الشرعية هو أمر وارد تماماً، ولكنه سوف يضع المجتمع الدولي أمام اختبار كيفية التعامل مع نظام حكم متسلط يرفضه الشعب السوري، ولكن تفرضه مصالح الحسابات الاستراتيجية لدى كل من إيران وروسيا والصين . هل يمكن أن تنجح هذه الدول الثلاث في الدخول في مساومات أكثر اتساعاً مع الدول الغربية، تشمل الملف النووي الإيراني والتنافس الأمني الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، تسهم في مجملها في تقديم التنازلات المتبادلة التي ترغبها هذه الأطراف كافة في مقابل تقليل الضغط الدولي على نظام الأسد؟ لا تحمل هذه التساؤلات الثلاثة نتائج يرغبها الشعب السوري، ولذلك يتعين على المعارضة السورية أن تعي المخاطر الفادحة التي تحملها احتمالات عدم نجاحها في تحقيق نتائج سريعة للثورة الشعبية التي لا تزال تحتدم منذ أكثر من عام .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى