نهاية الصادرات السورية/ جهاد اليازجي
ثمة مجموعة من العوامل أدت إلى استمرار التدهور في الصادرات السورية في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام. أهم هذه العوامل ثلاثة: تدمير قدرة سوريا الإنتاجية وتعطيل الطرق التجارية والعقوبات الاقتصادية.
إيهاب اسمندر رئيس هيئة تنمية وترويج الصادرات، وهي مؤسسة حكومية سورية، قال لجريدة “الوطن” الأحد الماضي أن صادرات سوريا غير النفطية قد انحدرت بنسبة 50 في المائة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري. فإذا شملنا صادرات النفط، تصل نسبة التدهور إلى 90 في المائة. ولكن اسمندر تجنب تقديم أرقام حقيقية حول حجم الصادرات، بينما لا تثير الأرقام والتقديرات التي تقدمها الهيئة التي يرئسها سوى الشك. على سبيل المثال، قالت الهيئة إن الصادرات السورية تدنَّت خلال العام 2012 إلى 185 مليون دولار أميركي فقط، مقارنة مع 11.35 مليار دولار أميركي العام 2010 و7.21 مليارات دولار العام 2011.
ولكن مسؤولا سورياً آخر كان قد قال في شهر أيار (مايو) الفائت أن صادرات سوريا إلى العراق بلغت في العام 2012 ما قيمته 33 مليار ليرة سورية (تقريباً 440 مليون دولار أميركي)، وهو ما مثَّل نصف إجمالي الصادرات السورية، التي يسهل تقديرها إذن بمبلغ 880 مليون دولار أميركي فقط.
وعلى الرغم من هذه التباينات في الأرقام، فإن الواضح أن قاعدة التصدير السورية قد انحدرت بشكل كبير خلال العامين الماضيين.
وكانت الصادرات السورية قد نالت ضربة كبيرة في نهاية العام 2011 بسبب العقوبات الأوروبية على الصادرات النفطية، التي كانت تذهب نحو 90 في المائة منها إلى الاتحاد الأوروبي قبل الأزمة. وبرغم أن سوريا يمكن أن تتحول إلى أسواق بديلة، إلا أن العقوبات باتت تطال ناقلات النفط التي تنقل النفط السوري الخام وشركات التأمين وإعادة التأمين التي تؤمن على تلك الناقلات. ومن المعروف أن النفط السوري ثقيل يصعب تكريره، مما يتسبب بصعوبات إضافية أمام الحكومة السورية في إيجاد زبائن محتملين آخرين. ولأن الصادرات النفطية السورية تشكل نسبة 40 في المائة من إجمالي الصادرات، فمن الطبيعي أن يكون تأثير العقوبات فادحاً على الميزان التجاري والعائدات السورية من العملات الأجنبية.
وتلقت الصادرات السورية صفعة أخرى عندما امتدت الحرب لتصل في صيف 2012 إلى مدينتي حلب ودمشق، وهما المركزان الاقتصاديان الأكبر في البلاد. وحتى ذلك الحد كان الصناعيون السوريون قد نجحوا في الاستفادة من بعض الجوانب الجانبية للانتفاضة، وبخاصة انخفاض قيمة الليرة السورية، ما جعل المنتجات السورية منافسة في أسواق التصدير. إلى ذلك، استفاد المصدرون السوريون أيضاً من ان العراق، الذي كان في السنوات الأخيرة السوق الرئيسية لصادراتهم الزراعية والصناعية، رفع القيود على الصادرات السورية، بما في ذلك ضبط الجودة ، في محاولة منه لمساعدة الاقتصاد السوري. ولكن وصول أحداث العنف إلى المدينتين الكبريين أدى إلى تحطيم ونهب قطاعات واسعة من المؤسسات الصناعية، وبخاصة في مدينة حلب.
أخيرا، جاءت الضربة الإضافية للمصدِّرين السوريين من الفوضى التي باتت تعم البلاد في الأشهر الأخيرة، ومن سيطرة المعارضة على المناطق الشرقية حيث توجد مصادر النفط، ومن القتال الدائر على المنافذ الحدودية. ووصلت العلاقات التجارية بين سوريا وكل من تركيا والعراق تقريباً إلى مستوى الصفر، ولم يتبق من منفذ حدودي يمكن وصفه بـ”الآمن” سوى المنافذ مع لبنان، وكذلك مرفأي اللاذقية وطرطوس.
ولعل أهم تأثير سلبي لهذا التراجع في الصادرات هو شبه نهاية دخول أي عائد من العملات الأجنبية إلى سوريا، ما اضطر الحكومة إلى إنفاق معظم مخزونها من العملات الأجنبية التي راكمته خلال عقود عدّة وإلى الاعتماد على حلفائها، وبخاصة إيران، للحصول على قروض بالعملات الأجنبية.
ولكن التأثير على المدى الطويل ليس أقل مدعاة للقلق. إن استئناف التصدير بعد انتهاء الحرب سيتطلب إعادة سيطرة الحكومة المركزية على مواردها النفطية وإعادة بناء القاعدة الصناعية المدمرة. ولا يبدو أن أياً من هذه المتطلبات ممكنة التحقق في المدى المنظور بعد انتهاء الحرب.
المدن