صفحات سورية

نهاية بشار الاسد وتحرير سوريا

 


بسام البغدادي

من السهل الانسياق حول الافكار الرغبوية.. وهي أن تتمنى شيئاً فيكاد يخيل لك بأن هذا الشئ حقيقة واقعة أو قاربت الوقوع. من السهل السقوط في فخ الرغبات و الامنيات و الانطلاق منها والعيش في لذة احلام شهية لاتقترب من الواقع بشئ الا حين تصطدم بالواقع فيحطمها الواقع الذي لايعترف بها او بوجودها. هذا هو تماماً الوضع في سوريا الآن… وهذا مايدفع بشار الاسد وكل من يعتقد ببقاء حزب البعث والنظام السوري الحالي على ماهو عليه الى مواصلة الباس الحقيقة الف قناع لان وجه الحقيقة الذي يهربون منه مؤلم.. مؤلم جداً. خاصة بعد تحول حزب البعث في سوريا والعنف و الذل و التعذيب في السجون و احكام الموت و القتل و الاغتيال الى ظاهرة طبيعية مثلها مثل المطر و الشمس و القمر… تحول الى واقع يومي يعيشه المواطن السوري كل يوم ولا يتخيل انه سيزول يوماً ما.. كما لايتخيل احدنا انطفاء الشمس يوماً ما رغم اننا جميعاً نعرف بأن هذا سيحدث.

مايحدث في سوريا بكل بساطة هو تماماً ما حصل في العراق من ذبح للشعب العراقي في الثمانينات وماتبعها في تسعينيات المرحلة اللاحقة.. وتماماً ماحصل في الاتحاد السوفيتي في عهد جوزيف ستالين من ذبح للشعب الروسي الفقير.. وهي نفس الايديولوجية الاشتراكية التي تنطلق من مبدأ السطو على السلطة بأسم تحرير الشعب ومن ثم الحفاظ على السلطة بأي ثمن كان حتى لو كان الثمن القضاء على الملايين من الشعب. لكن تحويل الاوطان الى سجون مسورة وتحويل الشعوب الى قطيع في مزرعة لايتم بين ليلة وضحاها.. بل يتطلب عنف ودماء وترسيخ لللامعقول و اللاأخلاقي و الغير مقبول وفي نفس الوقت تكثيف صورة الاب القائد و المفكر العظيم وتوسيع هالة القداسة حول شخصية محورية يقوم على رأسها الهرم ولا تقوم عليه.

فكرة القائد الخالد في عملية تحويل الشعوب الى قطيع في مزرعة القائد فكرة محورية وضرورية لاتستطيع تلك الانظمة الحفاظ على السلطة لعقود طويلة بدونها. لايهم بأي شكل من الاشكال فيها مواصفات هذا القائد أو ماهي خصاله… فقد يكون هذا القائد مجنوناً بمعنى الكلمة كما هو الحال في ليبيا القذافي أو يكون سوقياً و رخيصاً كما هو الحال مع صدام حسين أو ذميم الاخلاق جداً كما هو الحال مع حافظ الاسد أو عدم الشخصية تماماً كما هو الحال مع بشار الاسد. حيث أن الشخصية نفسها غير مهمة, بل ما يتم نسجهُ حول الشخصية من أساطير و تحويل صفات الشخصية الذميمة الى مآثر وبطولات وتحويل كل التفاهات التي تنطق بها هذه الشخصية الى حكم ومقولات خالدة.

وجود هذه الانظمة مهما طال الزمن بها هو وجود أستثنائي غريب ينخر في جسم الشعوب.. أشبه بالسرطانات التي تستفحل في جسد المريض وتعتاش على الغذاء و العناية التي يوفرها الجسد لها. وكلما أستفحلت هذه الانظمة كلما زادت تلك الشعوب فقراً وتخلفاً ودموية, وكلما ترسخت اللاأخلاقيات في حياتها اليومية وزادت الهوة بين الفقراء و الاغنياء وتضخمت مؤسساتها لتتحول الى ما يشبه شباك العنكبوت التي تقتنص أفراد الشعب لتمتص رحيق تعبهم وخيرهم وتتمحور القوانين شيئاً فشيئاً لهدف أساسي و وحيد وهو بقاء النظام على ماهو عليه وتغير كل شئ آخر مهما كلف الامر من أجل الحفاظ على النظام.

أستمرار نظام دموي وسلطوي عنيف كالنظام السوري قائم بشكل رئيسي على أرهاب الدولة للمواطن. على سلب المواطن كل قدرة على التعبير أو التفكير بأستقلالية. على أقناع المواطن بأن الفوضى و الدم هي الخيار الوحيد البديل للفوضى و الدم التي يمارسها النظام بشكل مستمر منذ عقود. أستمرار نظام بشار الاسد قائم على مبدأ أن بشار الاسد هو الرمز والنظام و الوطن.. وعدم الولاء للرمز هو خيانة عظمى يستحق كل من يرتكبها الموت بعد تعذيب طويل كما شاهدنا ونشاهد على مر عقود طويلة من وجود هذا النظام.

السقوط في فخ الامنيات هو الفخ الكبير الذي نصبه النظام السوري لكل مؤيديه.. التظاهر بأن الازمة أنتهت وبأن النظام متماسك أمام شعب يدرك تمام الادراك بأن الازمة لم تنتهي وبأن المظاهرات تسير حتى اللحظة في كل المدن و الشوارع. هذا الفخ الذي أجبر مؤيدي النظام الى صم آذانهم على الاصوات خارج نوافذهم التي تطالب بسقوط النظام, الى أغلاق عيونهم عن زخ الرصاص الذي يحصد أخوتهم و أهلهم.. و الجلوس أمام جهاز التلفزيون لمتابعة آخر الاخبار عن مسيرات (عفوية) مليونية وبضعة أشخاص يرفعون صور متشابهة لبشار الاسد بصورة هيستيرية يصرخون مطرح مابتدوس نركع ونبوس.

كي لانسقط في فخ الامنيات, فنحن نعلم علم اليقين.. بأن أقتلاع سرطان بمثل هذا الحجم من الجسم يحمل خطورة كبيرة… لكن الاحتفاظ بهِ خوفاً من المخاطر المحدقة هو أشبه بأصدار حكم أعدام مباشر على شعب كامل. كل الذين صرخوا بسقوط النظام يعلمون علم اليقين بأن بقاء النظام يعني نهايتهم في مقبرة جماعية عرضها الوطن… وهم بمئات الآلاف. كل الصامتين الذين لم يخرجوا مظاهرات مؤيدة يعلمون بأن بقاء النظام يعني الحكم بأعدام صديق أو أخ أو أب لهم.. وعددهم بالملايين. كل الذين يؤيدون النظام يعلمون علم اليقين بأنهم يؤيدون النظام لأنهم خائفين… خائفين جداً والخوف وحده هو الذي يدفعهم الى تقبيل اليد التي تحمل سكيناً على رقبتهم.

نهاية بشار الاسد عملياً لايمكن أن تكون سهلة كنهاية زين العابدين بن علي أو حسني مبارك. وذلك لسبب بسيط وهو تمسك بشار الاسد بالسلطة حتى آخر قطرة دم سورية و ثانياً لفقدان سوريا لجيش نظامي حقيقي, لدرجة أن بعض السوريين يتندرون على جيشهم ويسمونه (جيش أبو شحاطة). ومراكز القوة الحقيقية في الجيش تتألف من ميليشيات نظامية يقودها ماهر الاسد وبعض الاجهزة الامنية. وهذا يجعل من عملية تولي الجيش الذي يغسل صحون الضباط وملابس زوجاتهم لعملية التحول صعبة جداً أن لم تكن مستحيلة. وهذا يفرض علينا سيناريوهين أفضل مافيهما مراً.

الاول, وهو أن يقوم أحد من المحيطين ببشار الاسد بلعب دور البطل الوطني وتصفية بشار الاسد وقيادة عملية التحول بمشاركة موسعة مع الحركات السياسية الفاعلة في الشارع السوري لقاء تطمينات من الحركات السياسية بالعفو عن ماضي هذه الشخصية. و الثاني وهو أقسى الامرين وهو سقوط النظام بعد أن تتحول سوريا الى غرفة أعدام دموية تقوم فيها ميليشيات ماهر الاسد و الشبيحة بتصفية عشرات الآلاف أن لم نقل مئات الآلاف في الشوارع وهذا ما سيدفع المجتمع الدولي للتدخل و سحق النظام السوري.

شئ واحد متأكدين منه جميع السوريين… وهي أن سوريا لم تعد بعد مزرعة لآل الاسد. وأن نهاية النظام قريبة جداً… لكن الثمن قد يكون كبيراً أو صغيراً حسب سرعة القضاء على شخصية بشار الاسد. ليس لأن بشار الاسد ذو عقلية جبارة يجب القضاء عليها, ولكن لأن النظام السوري كله قائم على رأس هذا الشخص, والتخلص منه فقط يعني سقوط النظام ككل.

بسام البغدادي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى